400 likes | 1.17k Views
من أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم. كان خلقه القرآن. قالت الفقيهة الحَصان الرزان الصديقة بنت الصديق عائشة رضوان الله عليها وهي تصف الحبيب صلى الله عليه وسلم هذا الوصف البليغ العجيب حين قالت: ( كان خلقه القرآن ).
E N D
كان خلقه القرآن • قالت الفقيهة الحَصان الرزان الصديقة بنت الصديق عائشة رضوان الله عليها وهي تصف الحبيب صلى الله عليه وسلم هذا الوصف البليغ العجيب حين قالت: ( كان خلقه القرآن ). • كان قرآناً متحركاً بين الناس، كان إذا أمر فهو أول من يأتمر، وكان إذا نهى فهو أول من ينتهي، وكان إذا حد فهو أول من يقف عند حدود الله تبارك وتعالى. • لما أمر بالعبادة قام متعبداً خاشعاً خاضعاً بين يدي الله حتى تورمت قدماه، فلما سئل عن ذلك قال: ( أفلا أكون عبداً شكوراً؟! ). • ولما أمر بالبذل؛ أنفق كل ما يملك: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه . قال فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين . فرجع إلى قومه ، فقال : يا قوم أسلموا . فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة . (صحيح مسلم) • أمرهم بالجهاد وبذل النفس؛ فكان في مقدمة الصفوف، لا يجبن ولا يتأخر، بل كان إذا اشتد الوطيس وحميت المعارك، وفر الشجعان، وصمتت الألسنة الطويلة، وخطبت السيوف والرماح على منابر الرقاب؛ قام الحبيب ينادي بأعلى صوته ويقول: ( أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ) صلى الله عليه وسلم.
صفة النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب السماوية السابقة • عن عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة (لأن عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام بشر بنبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، وكذلك نبي الله موسى: { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } [الصف:6].) فقال أي عبد الله بن عمروبن العاص أجل والله : إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولى سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله تعالى حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتحوا بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا(الأدب المفرد)
هدي النبي صلى الله عليه و سلم بالرفق بالحيوان • روى مسلم من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته ). • في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش . إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل . فنزعت مزقها ، فاستقت له به ، فسقته إياه ، فغفر لها به كلب عطشان، وهي امرأة زانية، لكنها رحمته فغفر الله لها. • إذا كانت الرحمة بالكلاب تغفر الخطايا للبغايا، فكيف تصنع الرحمة بمن وحد رب البرايا؟
في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( دخلت امرأة النار في هرة )، أي: في قطة. • انظر! بغي تدخل الجنة في كلب، وامرأة تدخل النار في قطة، لماذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: ( حبستها -أي: حبست القطة- فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض
هديه في معاملة مخالفيه حرص النبي عليه الصلاة والسلام على هداية قومه • عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال لقد لقيت من قومك فكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أفق إلا في قرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم . قال فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك إن شئت أطبق عليهم الأخشبين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا . (متفق عليه) • ويوم أحد كان يوماً عظيماً، نزف فيه دم النبي صلى الله عليه وسلم من جسده، وشج وجهه، وكسرت رباعيته، وتعرض النبي صلى الله عليه وسلم للموت الحقيقي، بل لقد انتشر بالفعل في الميدان خبر قتل النبي صلى الله عليه وسلم، حتى ألقى بعض الصحابة السلاح وقالوا: وماذا نصنع بالحياة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقام أنس بن النضر رضي الله عنه -وحديثه في الصحيحين- فقال لهم: (قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ونزل في هذه المعركة قول الله جل وعلا: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } [آل عمران:144].
تصور معي أنه صلى الله عليه وسلم مشى من مكة إلى الطائف على قدميه أكثر من سبعين كيلو، لا توجد سيارة، ولا دابة، بل مشى على قدميه المتعبتين الداميتين • طريق غير ممهدة، لم يركب حماراً، ولا بغلاً، ولا جواداً، ولا ناقة، ومع ذلك لما وصل إلى الطائف سلط الأشرافُ السفهاءَ والصبيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعلوا به ما لا يتصور البتة أن يفعله إنسان صاحب مروءة بإنسان غريب؛ رموه بالحجارة، سبوه، شتموه • لو كان الحبيب صلى الله عليه وسلم ممن ينتقمون لأنفسهم وذواتهم وأشخاصهم، ولو كان الحبيب ممن خرج لذاته أو لمجد شخصي أو لانتفاع دنيوي حقيرٍ زائل؛ لأمر النبي ملك الجبال أن يحطم هذه الرءوس الصلدة، والجماجم العنيدة، ولسالت دماء من الطائف ليراها أهل مكة بمكة، لكن اسمع ماذا قال صاحب الخلق الرفيع؟ اسمع ماذا قال الرحمة المهداة لملك الجبال؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بل أرجو الله عز وجل أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً ) لم يبعث لعاناً ولا فحاشاً، وإنما كما قال هو عن نفسه صلى الله عليه وسلم: ( إنما بعثت رحمة ) ، وكما قال ربه جل جلاله: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء:107]، وكما قال ابن عباس : هو رحمة للفاجر والبار؛ فمن آمن به فقد تمت له النعمة، ومن كفر به أمن من العذاب في الدنيا: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } [الأنفال:33].
نبي الرحمة يطلق ثمامة • وعن أبي هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ماذا عندك يا ثمامة ؟ فقال عندي يا محمد خير إن نقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان الغد فقال له ما عندك يا ثمامة ؟ فقال عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت . فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد فقال له ما عندك يا ثمامة ؟ فقال عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يا محمد والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي ووالله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي . وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل أصبوت ؟ فقال لا ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم واختصره البخاري
ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، وكان من أعدى أعداء النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يتفنن في إيذائه، ويتفنن في تأليب القوم على النبي وعلى الإسلام • أطلقوه، لا نريد مالاً ولا شكوراً ولا ثناءً. • إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإذا أنت أكرمت اللئيم تمردا • انظر إلى هذا الرجل حين أسلم؛ بدأ يُسخِّر كل طاقاته، وقدراته، وإمكاناته لدين ربه جل وعلا، يوم أن خلع على عتبة الإيمان رداء الشرك والكفر؛ وظَّف كل ما يملك لدين الله سبحانه وتعالى، ففرض حصاراً اقتصادياً -على سبيل التحقيق لا على سبيل المجاز- على مكة وأهلها. • وفي رواية ابن إسحاق : (حتى اشتدت المجاعة بهم بالفعل)؛ لأن القمح كان يصل إليهم من اليمامة، وهو سيد أهل اليمامة؛ فمنع كل حبة قمح تصل إلى مكة وأهلها، إلا بعد أن يأذن رسول الله. • انظر كيف حول إحسان النبي صلى الله عليه وسلم البغض الكامن الدفين في قلب ثمامة إلى حب مشرق، فبالإحسان تأسر القلوب، وبالرفق وباللين تحول البغض إلى حب، وتحول الكراهية إلى قرب. • فالعنف يهدم ولا يبني، والشدة إذا استخدمت في غير موضعها تفسد ولا تصلح، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عليك بالرفق إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه، صحيح الجامع )
نبي الرحمة مع وهب بن عمير • لما رجع وفد المشركين إلى مكة أقبل عمير بن وهب الجمحي حتى جلس إلى صفوان بن أمية في الحجر ، فقال صفوان : قبح العيش بعد قتلى بدر ، قال : أجل والله ما في العيش خير بعدهم ولولا دين علي لا أجد له قضاء وعيال لا أدع لهم شيئا لرحلت إلى محمد فقتلته إن ملأت عيني منه ، إن لي عنده علة أعتل بها أقول : قدمت على ابني هذا الأسير ، ففرح صفوان بقوله وقال : علي دينك وعيالك أسوة عيالي في النفقة لا يسعني شيء ويعجز عنهم ، فحمله صفوان وجهزه وأمر بسيف عمير فصقل وسم وقال عمير لصفوان : اكتمني أياما ، فأقبل عمير حتى قدم المدينة فنزل بباب المسجد وعقل راحلته وأخذ السيف فعمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل هو وعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : تأخر ثم قال : ما أقدمك يا عمير ؟ قال : قدمت على أسيري عندكم ، قال : اصدقني ما أقدمك ؟ قال : ما قدمت إلا في أسيري ، قال : فماذا شرطت لصفوان بن أمية في الحجر ؟ ففزع عمير وقال : ماذا شرطت له ؟ قال : تحملت له بقتلي على أن يعول بنيك ويقضي دينك ، والله حائل بينك وبين ذلك ، قال عمير : أشهد أنك رسول الله ، إن هذا الحديث كان بيني وبين صفوان في الحجر لم يطلع عليه أحد غيري وغيره فأخبرك الله به فآمنت بالله ورسوله ، ثم رجع إلى مكة فدعا إلى الإسلام فأسلم على يده بشر كثير الراوي: أنس بن مالك - خلاصة الدرجة: إسناده صحيح - المحدث: السيوطي
قصة الذي تكلم أثناء الصلاة • عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال قلت : يا رسول الله إنا حديث عهد بجاهلية فجاء الله بالإسلام وان رجالا منا يتطيرون قال ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم ورجال منا يأتون الكهان قال فلا تأتوهم قال يا رسول الله ورجال منا يخطون قال كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك قال وبينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فحدقني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه مالكم تنظرون الي قال فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يسكتوني لكني سكت فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاني بأبي وأمي هو ما ضربني ولا كهرني ولا سبني ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه قال ان صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن قال ثم اطلعت إلى غنيمة لي ترعاها جارية لي في قبل أحد والجوانية وأني اطلعت فوجدت الذئب قد ذهب منها بشاة وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون فصككتها صكة ثم انصرفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فعظم ذلك علي فقلت يا رسول الله أفلا أعتقها قال ادعها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله عز وجل قالت في السماء قال فمن أنا قالت أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها مؤمنة فاعتقها قال الشيخ الألباني : صحيح
رفقه ورحمته بأمته صلى الله عليه وسلم • عن أبي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:(لَوْلا أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتِي أو على الناس لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مع كل صَلاةٍ)(متفق عليه) تتجلى عظمة هذا الخلق النبوي حين يتخلّى الحبيب صلى الله عليه وسلم عن استمراء أحب الأمور إليه, و أعزها لديه التي هي من جملة العبادة مخافة المشقة على أمته !!! • و عن أَنَس بن مَالِكٍ قال:(ما صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً ولا أَتَمَّ من النبي صلى الله عليه وسلم وَإِنْ كان لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ)(متفق عليه) يصلي بالناس الجماعة فيحيا لذة العبادة بالوقوف و المناجاة لله رب العالمين، تلك الصلاة التي هي راحته و غاية أنسه و سعادته، فيخفّفها عندما يسمع بكاء الصبي رحمةً بأمه !!! و رعايةً لعاطفتها الفطرية تجاهه.
قصة الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد • عن أنس بن مالك :بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي . فقام يبول في المسجد . فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه مه . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزرموه . دعوه " فتركوه حتى بال . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له " إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر . إنما هي لذكر الله عز وجل ، والصلاة ، وقراءة القرآن " ، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال فأمر رجلا من القوم ، فجاء بدلو من ماء ، فشنه عليه .( صحيح مسلم ) • لاحظ: • أن المسجد ما كان خالياً، فالنبي صلى الله عليه و سلم موجود فيه وجالس مع أصحابه. • صاحب الخلق، والرحمة المهداة، الذي قال الله في حقه: { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة:128]، يقول لهم: ( دعوه لا تزرموه ) يا ألله (لا تزرموه) يعني: لا تقطعوا عليه بولته، دعوه يكمل تبوله، الله أكبر! وتبول الرجل، ورسول الله جالس، وإذ بصاحب الخلق الكريم ينادي عليه بعدما انتهى: تعال، لكن هل شتمه، نهره، ضربه، جرح مشاعره؟ لا والله: فهل استهزأ به، سخر منه، تهكم عليه؟ لا والله! فانظر ماذا قال صلى الله عليه وسلم. قال: (إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا)، اسمعوا كيف الأدب؟! كيف التواضع والرحمة والحكمة والخلق؟
وجاءت رواية أخرى في كتاب الأدب في صحيح البخاري، أن هذا الأعرابي تأثر بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، وبهذا الحلم والرفق، فأول ما دخل الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يدعو الله عز وجل، فقال: (اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً). فهل تركه رسول الله؟ لا، علمه درساً آخر وبأدب فماذا قال له عليه الصلاة والسلام؟ قال :( لقد تحجرت واسعاً! ) أنت تضيق ما وسعه ربنا تبارك وتعالى، لماذا؟ ربنا يقول: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [الأعراف:156]،.
حلمه و عفوه صلى الله عليه وسلم • عن أبي سعيد الخدري قال: (بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم ذات يوم قسما فقال ذو الخويصرة -رجل من بني تميم-: يا رسول الله اعدل قال: (ويلك من يعدل إذا لم أعدل؟) فقال عمر: ائذن لي فلأضرب عنقه، قال: لا......)(صحيح البخاري) • وعن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: بعث علي -رضي الله عنه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة فقسمها...فأقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناتئ الجبين كث اللحية محلوق فقال: اتق الله يا محمد، فقال: (من يطع الله إذا عصيت أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنونني فسأله رجل قتله أحسبه خالد بن الوليد فمنعه)(متفق عليه) • يعترض له (ذو الخويصرة ) بجفاء وهو يقسم للناس حظّهم من المال ؛ فيناديه بفظاظة يا رسول الله اعدل! • و يأتي آخر رافعاً صوته، متطاولاً عليه يدعوه باسمه(يا محمد) مجرّداً من نعت الرسالة والاصطفاء! فيقول بملء فمه (اتق الله يا محمد) فلا تظلم في العطاء! إنها كلمة غاية في الشناعة و الصّلف في حق خير البرية صلى الله عليه وسلم و أزكاهم عند الله تبارك وتعالى، المؤتمن على وحيه، وتبليغ رسالاته، و بيان شرعه، و حلاله وحرامه، المخيّر حين نبوّته بين أن يكون ملكا أو عبدا فاختار العبودية، أتغرّه لعاعة من متاع الدنيا فينقض عهده مع ربه! ويجرح أمانته، ويخالف رسالته و يهدم مبادئه العليا!!! لقد كان لتلك الكلمات الجائرة صدى عنيفاً على سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشعلت فتيل الغضب في نفوسهم، و تبادروا لقتله، فما كان من الحبيب صلى الله عليه وسلم إلا أن منعهم ذلك، و اكتفى بالتأنيب والعتاب المؤثر (ويحك) و في رواية (ويلك،من يطع الله إذا عصيت أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنونني)، وفي رواية (أو لست أحق أهل الأرض أن أطيع الله؟).
فتح مكة • يبلغ العفو منتهاه حينما يدخل مكة ـ حرسها الله ـ بعد كفاح طويل في الدعوة و الجهاد في سبيل الله، فيجتمع أهلها إليه في المسجد فيقول لهم: (ما ترون أني صانع بكم؟) قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)(سنن البيهقي الكبرى) • يا له من صفح جميل، و عفو بليغ، مأمول من ذلك الرجل الكريم الذي هو أهله، حيث يكون سائغا. • و حين تنتهك حرمات الله تعالى، فإنه يشتدّ غضبه لله حتى يرى أثره على و جهه، فلا يعف عن منكر لا يرضاه الله سبحانه، أو يحلم عن إقامة حدّ من حدوده.
تواضعه و لين جناحه صلى الله عليه وسلم • عَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَقَالَ : (يَا أُمَّ فُلاَنٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَك) فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا.(رواه مسلم و البخاري) توافيه تلك المرأة (وفي عقلها شئ) في بعض الطرق الضيقة، المصطفة من النخيل، المسلوكة التي لا تنفك عن مرور الناس غالبًا(3)، و تسأله حاجتها، و ما ثمّ لولا ما آنسته من الحبيب صلى الله عليه وسلم من تمام التواضع و القرب من المستضعفين ، ولينه في أيديهم ومشيه في حوائجهم، وتشوقهِ إلى إرضائِهم وسماعِ شَكواهُم وقضاءِ شُؤونِهم . فيسعها النبي صلى الله عليه وسلم بعطفه المعروف و تواضعه المألوف ، ملبياً رغبتها بسخاوة نفس و تقدير (يَا أُمَّ فُلاَنٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَك) !!! فللّه لين ذاع في الناس صيته و خفض جناحٍٍ طوّق الوعر والسّهلا
عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَتْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ أَبِي، وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (سَنَهْ سَنَهْ). قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَهِيَ بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنَةٌ قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَزبَرَنِي أَبِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (دَعْهَا) ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أَبْلِي وَأَخْلِقِي ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ.(متفق عليه) تأتيه جارية صغيرة هي : أمَة (بمفتوحة وخفَّة ميم) بنت خالد بن سَعيْد بن العَاصِ ، تكنّى أم خالد، و تقترب منه لترسم صورة أخرى رائعة من التواضع و العطف النبوي . نرى فيها النَّبي المربِّي - صلى الله عليه وسلم - و هديه القويم في رعاية الأطفال، وقربه من الصِّغَار، وتلقِّيهم بالبِشْر وسهولة الخلق.. والرحابة ...وشفقته على البنات خاصَّة !. ألا ترى إلى عظيم تقديره لأم خالد واصطفائها من سائر القوم وتشريفها بهديته ... بعدما سأل الحضور من أصحابه عمن يستحقها ... وسكتوا حيرة فاستشرفوا لها وكانت تلك الجارية هي الجديرة بها قَالَ: (مَنْ تَرَوَنَ أَنْ نكْسُوَ هذه؟ فسكت القومُ، قَالَ: ائتوني بأمّ خالدٍ). إنه يدعوها بكنيتها زيادة في إكرامها والاهتمام بها وجيء بها تحمل في -رواية– لحداثة سنِّها – (فَأَخَذَ الخَمِيْصَةَ – وهي كساء من خزٍّ أو صوف - بيده الشريفة فألبسه) إياها! وبالغ - عليه الصَّلاة والسلام - في العطف عليها والإحسان إليها .. والبِّر بها. (فَجَعَلَ يَمْسَحُ الأعلام – وهي ألوانها البارزة الصفراء أو الخضراء – بيده ويقول مادحًا لها مثنيًا على جمالها وروعتها .. هذا (سَنَهْ سَنَهْ) بمعنى حسن، وما قالها الحبيبُ - صلى الله عليه وسلم - بالحبشيَّة، وهو العربيُّ الفصيح! إلا محاكاة لُّلغة التي ألفتها منذ طفولتها ... وتطييبًا لخاطرها وطمعًا في إدخال السرور والبهجة إلى قلبها. • ويَسْتمرُّ الحنانُ النبويُّ الدافئ ليحكي مشهدا مؤثِّرا من اللطف الغامر بتلك الصبية، دنت منه بعدما اطمأنّت لتواضعه ورحمته... لفت نظرها خاتم النبوة البارز بين كتفيه (كزرِّ الحجلة).. فَتَاقَتْ نفسُها إلى لمسه فطفقت تلعب به، مما أثار حفيظة والدها الذي نهرها بقسوة، فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: (دعه) فاستمرت تلهو به مرحًا مستأنسة برضى النبي - صلى الله عليه وسلم - مطمئنة إلى سماحته، ثم يختم اللقاء الطيب بدعواتٍ لها مباركةٍ يرددها ثلاثًا ويمتدُّ أثرها إلى أمد ذاك اللقاء بما يحويه من المعاني القيِّمة للتواضع وخفض الجناح
عفّته و حياؤه صلى الله عليه وسلم • عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(دعه فإنّ الحياء من الإيمان).(البخاري و مسلم) • عن أنس قال: (لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب أهدت له أم سليم حيسا في تور من حجارة فقال أنس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب فادع لي من لقيت من المسلمين فدعوت له من لقيت فجعلوا يدخلون عليه فيأكلون ويخرجون ووضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على الطعام فدعا فيه وقال فيه ما شاء الله أن يقول ولم أدع أحدا لقيته إلا دعوته فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا وبقي طائفة منهم فأطالوا عليه الحديث فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يستحيي منهم أن يقول لهم شيئا فخرج وتركهم في البيت فأنزل الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ)، قال قتادة: غير متحينين طعاما، (وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا)، حتى بلغ: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)).(مسلم) • عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها حدثني محمد بن بشار حدثنا يحيى وبن مهدي قالا: حدثنا شعبة مثله وإذا كره شيئا عرف في وجهه).(متفق عليه)
ترجمت لنا سيرته العطرة حقيقة ذلك الحياء، و تمكّنه من خلقه و سلوكه العملي، في مواقف شتى منها زواجه من زينب بنت جحش -رضي الله عنها-: فقد كان صلى الله عليه وسلم حديث عهدٍ بأهله، و الأضياف في بيته قد حضروا وليمته، و طعموا حتى شبعوا، و ظلّوا مستأنسين بالحديث في غفلةٍ عن حال النبي صلى الله عليه وسلم و تكدّره من طول بقائهم، و هو يستحي أن يواجههم بأمر الخروج من بيته، و الانفراد بعروسه! حمله الحياء على أن يترك أخصّ حقوق نفسه في ليلة البناء بأهله و الشوق إليهم، و تحمّل مشقة الحرج من أصحابه الذين أكرمهم بضيافته، و التناول من مائدته، على أن يصارحهم بما يجول في خاطره و ما يعتمل في نفسه إيثاراً للحياء و حرصاً على توفير الراحة و الانبساط لهم. فتولّى الرحمن سبحانه أمره، و رفع عنه ما أهمّه، و أنزل قرآنا يتلى إلى يوم القيامة يصدع بما للنبي صلى الله عليه وسلم من الحقّ العظيم من الاحترام و التوقير و الآداب المتعّينة له على أصحابه و أمته. و يدعونا في الوقت نفسه إلى الاقتداء به و التحلي بهذا الخلق الفاضل، فمن استحيا من الله سبحانه حق الحياء رأى نعمه و آلاءه، و استشعر إساءته وتقصيره، و بادر بالخيرات و ترك المنكرات، و من استحيا من نفسه عفّها و صانها في الخلوات، و من استحيا من الناس كف أذاه عنهم و ترك المجاهرة بالقبيح و السيئات
أمانته صلى الله عليه وسلم • لقد نشأ يتيماً مطبوعاً على الأمانة و الوفاء بالعهد، فلا يكاد يعرف في قومه إلا بالأمين، فيقولون:جاء الأمين، و ذهب الأمين، و حلّ في نفوسهم و قلوبهم أعلى منازل الثقة و الرضى!! • كما دلّ على ذلك احتكامهم إليه في الجاهلية في قصة رفع الحجر الأسود عند بنائهم الكعبة المشرفة، بعد تنازعهم في استحقاق شرف رفعه و وضعه في محله، حتى كادوا يقتتلون لولا اتفاقهم على تحكيم أول داخل يدخل المسجد الحرام، فكان هو محمد صلى الله عليه وسلم فلما رأوه قالوا: (هذا الأمين، رضينا هذا محمد) • و بلغ من ثقتهم الكبيرة في أمانته و وفائه ما اعتادوا عليه من حفظ أموالهم و نفائس مدّخراتهم لتكون وديعة عنده، و لم يزل هذا شأنهم حتى بعد معاداته بسبب نبوّته و دعوتهم إلى الإيمان و نبذ عبادة الأوثان، فلم يخالجهم الشك في أمانته و وفائه! و مما يدل على ذلك ترك علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بمكة بعد هجرته صلى الله عليه وسلم ليرد للناس ودائعهم التي كانت عنده، حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد تحقق ذلك الخلق العظيم بأتمّ معانيه، و أحسن مراميه بعد نبوّته صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى أراده خاتماً لأنبيائه و رسله إلى الناس كافة، و لا يُمكّن من ذلك إلا أمين كامل الأمانة، يحظى بثقة الناس فيستجيبون له و يؤمنون به. و أدّى نبينا صلى الله عليه وسلم شرع ربنا تبارك و تعالى كما أراده الله عزّ و جلّ، و بلّغ آياته فلم يكتم منها حرفاً و إن كان عتاباً له و لوماً، و شهد له في كتابه بهذا البلاغ الكامل حتى تمّ الدين، و ظهر الإسلام قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) [سورة المائدة:3]. • و إن من المواقف العظيمة في أمانته ما رواه سعد -رضي الله عنه- قال لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سرح عند عثمان بن عفان فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايع عبد الله. فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: (أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله) فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك ألا أومأت إلينا بعينك؟ قال: (إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين)(رواه أبو داود و الحاكم و قال صحيح على شرط مسلم)
وفاؤه صلى الله عليه و سلم • أما الوفاء فله منزلة عظيمة في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أوفى الناس مع ربه تبارك و تعالى، و مع أصحابه و أزواجه و ذويه، بل و أعدائه!. • و من أروع المواقف النبوية التي تتجسد فيها هذه السجية الفاضلة ؛ و فاؤه لحاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- مع فعلته الكبرى و هي إفشاؤه لسر النبي صلى الله عليه وسلم في أشد المواقف خطورة، موقف الغزو الذي لا تغفر البشرية لمثله!لأنه تجسس و خيانة عظمى. • فقد كتب حاطب إلى أهل مكة يخبرهم بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم بجيشه لفتح مكة، و أرسله خفية مع ظعينة له، فلما أطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك و مكّنه من إحباطه، و راوده بعض أصحابه على ضرب عنقه، قال صلى الله عليه وسلم: (إنه قد شهد بدراً و ما يدريك لعلّ الله اطّلع على من شهد بدراً فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)(رواه البخاري و مسلم) • فانظر إلى مبلغ وفائه لأصحابه! و إن عظمت زلّة أحدهم أو كبر خطؤه ما لم يكن في حدّ من حدود الله سبحانه، أو تهاون بشرعه، و أمكن تدارك الخطر قبل و قوعه. • و لاشك أن هذا الوفاء الفريد و التصرف الرشيد سيعزز حبّ ذلك الصحابي للتوبة النصوح من هذا الذنب الذي لا يبرره خوفه على أهله و ذويه في مكة.
أسلوب النبي صلى الله عليه و سلم في الدعوة • لقد كان النبي عليه الصلاة والسلام رحمة لكل العالمين، وليس كما يفهم البعض من أنه صلى الله عليه وسلم كان رحمة للمسلمين فحسب، كلّا، هو رحمة للمسلمين ولغير المسلمين، قال الله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء:107]؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: (رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للفاجر والبار)، ما هذا؟ رحمة للبار؟ نعم. • لكن النبي عليه الصلاة والسلام رحمة للفجار للكفار؟! لماذا؟ لأنه بمجرد أن بعثه ربه تبارك وتعالى، وعده بألا يعذب القوم ما دام رسول الله فيهم، قال الله عز وجل: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } [الأنفال:33]. • فمن آمن به تبارك وتعالى فقد اكتملت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن كفر به رحم في الدنيا، ونجا من عذاب الدنيا، وبعد ذلك يعاقبه أو يحاسبه ربه بما شاء وكيف شاء في الآخرة. • ومن ثم كان الحبيب صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين: للفجار للكفار للأبرار الموحدين والمؤمنين المصدقين به صلى الله عليه وسلم.
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه ربه عز وجل رحمة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما أنا رحمة مهداة ...) الحديث، وإن كان قد روي مرسلاً، إلا أن الحاكم قد رواه موصولاً بسند صحيح، وأقر الحاكم الذهبي وغيره. • وفي صحيح مسلم: ( عن ابي هريرة قال قيل للنبي عليه الصلاة والسلام: ادع على المشركين! فقال: إني لم أبعث لعاناً، إنما بعثت رحمة)، • انظر إلى رحمته بالأمة عليه الصلاة والسلام: النبي عليه الصلاة والسلام جلس يوماً فقرأ قول الله تبارك وتعالى في سورة إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام: { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [إبراهيم:36]، انظر إلى كلام سيدنا الخليل، هذا كلام إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، يقول: (رب إنهن أضللن كثيراً من الناس)، يعني: الأصنام والآلهة المكذوبة المدعاة، (فمن تبعني فإنه مني، ومن عصاني) لم يقل: فانتقم منه فأهلكه، بل قال: (فإنك غفور رحيم). ( فلما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية في حق خليل الله إبراهيم، وقرأ قول الله في عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام: { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المائدة:118]، بكى، فقال الله عز وجل لجبريل عليه السلام: يا جبريل! انزل إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- فسله: ما الذي يبكيك؟ فنزل جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: ما الذي يبكيك؟! فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: أمتي! أمتي! يا جبريل، أمتي! أمتي! يا جبريل، فصعد جبريل إلى الملك الجليل، فقال: يبكي على أمته -وهو أعلم جل جلاله- فقال الله تبارك وتعالى لجبريل: انزل وقل لمحمد -صلى الله عليه وسلم-: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك ).(رواه مسلم) • ولذلك روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل نبي دعوة مستجابة)، أي: كل نبي له دعوة، وعده الله تبارك وتعالى أن يستجيبها، ( لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته إلا أنا، فإني قد اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات لا يشرك بالله شيئاً ).(صحيح الجامع)
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم آية من آيات الله، وعجيبة من عجائب الكون، فهو نبي الرحمة، والنعمة المهداة إلى الأمة، صاحب الخلق الفاضل الرفيع، وقد شهد الله تعالى له بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، فحري بنا أن نتعرف على أخلاقه صلى الله عليه وسلم لنقتدي بها في جميع شؤون حياتنا.
من سلسلة ايمانيات لفضيلة الشيخ محمد حسان حفظه الله • من موقع شبكة السنة النبوية و علومها (الحلقات و الدروس:: الشمائل النبوية ) المشرف العام الدكتور فالح الصغير حفظه الله
لا تنسونا و اخوانكم المسلمين في كل بقاع الأرض من الدعاء و الحمدلله رب العالمين و أصلي و أبارك على المبعوث رحمة للعالمين و على آله و صحبه أجمعين