E N D
لا شيء يخفى منك على الله أخي.. لو أن أحدنا عرف الله كما يحب.. وألزم نفسه العمل بما عرف.. لما أخطأه خير أبداً.. ولغمره الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة.فلله من الصفات والأسماء ما لو تدبرها المؤمن تدبراً جاداً مسؤولاً.. لذهل ذهولاً.. وللجم لسانه وحركته وقتاً طويلاً.. مستسلماً في نفسه وأعماق حسه لعظمة الخالق.. وعظمة شأنه.. {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]
تذكر أن الله يراك تأمل أخي في قوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40]فلا تحسبه غافلاً عن عصيانك.. أو عاجزاً عن عقابك.. كلا فأنت تحت رقابته تحيا.. {وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً} [الإسراء: 17]أخي: أين تمضي وقد أحيط بك؟!{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14]فانظر كيف استنكر الله جل وعلا من العاصي جهله برؤية الله له.. وهو سبحانه أعظم وأظهر من أن يخفى على أحد.فيا من أدمنت على الغفلة أقلع.. فالغطاء مكشوف.. ويامن أسرفت على نفسك أحجم.. فإن الله يراك.. فلا تتجرأ على الله.. وأنت مؤمن برقابته لك.. ورؤيته لك حين تعصيه.. ولا تغتر بإمهال الله لك على المعصية.. فقد يملي لك ثم يأخذك على غرة.. {]
تذكر أن الله يسمعك فهو سبحانه السميع البصير.. {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7]يسمع الكلام والهمس.. ويعلم ماتوسوسبه النفس.. وما يدور في العقل والحس.. فبالله اين العقول عن هذا وقد غفلت؟وأين القلوب عن هذا وقد جهلت؟وأين الأفهام عن هذا وقد أغلقت؟{وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام: 3]سرك يا هذا مكشوف وهمك مسموع.. فأين تخفى عن الله وأين تغيب؟!
تذكر أن الله رقيب عليك بعمله سبحانه.. وبصره وسمعه.. يراقبك ويطلع على أحوالك فلا تخفى عليه منك خافية.. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: 19]{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 217-219]{إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1] إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيبولا تحسبــن الله يغفــل ساعـة *** ولا أن ما تخفي عليه يغيب
فاستح من الله إذن فإنما مقتضى الإيمان باطلاعه عليك.. حياؤك منه.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفش السلام وابذل الطعام، واستح من الله استحياءك رجلاً من أهلك، وإن أسأت فأحسن ولتحسن خلقك ما استطعت».قيل لحاتم الأصم: علام بنيت أمرك في التوكل؟قال: على خصال أربع: علمت أن رزفي لا يأكله غيري، فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري، فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتي بغتة، فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله فأنا مستح منه.وقال صلى الله عليه وسلم: «استحيوا من الله حق الحياء» قلنا: يا نبي الله إنا نستحي والحمدللهقال: «ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس ما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء».
فأين تمضي..؟! أين ستمضي؟! وأين ستختفي؟! والله معك بعلمه وبصره وسمعه في كل مكان، أينما حللت وأينما ارتحلت! كيف سيتسرك غطاء؟!وكيف ستحجبك ظلماء؟!وربك الرقيب لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء! كيف تكتم سرك في حسك، وهو الذي يعلم وسوسة نفسك، ويسمع تمتمتة همسك؟!{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4]
وقال مالك بن دينار: "خرج أهل الدنيا من الدنيا، ولم يذوقوا أطيب شيء فيها".قيل: وما هو؟قال: "معرفة الله تعالى"واعلم أخي أن من السلف من كان لا يقوى على رفع بصره إلى السماء من شدة ما يعلم من رقابة الله عليه.. وما عساه أن يصيبه من غفلة أو خطأ..وهذا والله من عمق الإيمان في القلوب.. وصحة العقيدة في النفوس.فأين أنت من معرفة الله؟وأين أنت من عمله بك؟وهو سبحانه علام الغيوب..جعلني الله وإياك ممن يقدرونه حق قدره.. ويخشونه فلا يعصون أمره..وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يــا غاديــاً في غفلــة ورائحــاً *** إلى متى تستحسن القبائحاوكـــم إلى كـم لا تخاف موقفاً*** يستنطـــق الله بــهالجوارحاواعــجبــاً منــك وأنــت مبصـــرُ*** كيف تجنبت الطريق الواضحاوكيف ترضى أن تكون خاسراً *** يوم يفــوز من يكــون رابحـــاً