E N D
مناسبة الخطبة: حج النبي صلى الله عليه وسلم حجته الوحيدة في السنة العاشرة للهجرة, واستصحب معه اهله و اصحابه , وانضم اليهم خلق كثير حتى احتشد في الموسم أكثر من مئة ألف , وفي يوم الحج الأكبر وقف النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس وفي كلامه لهجة المودع , الموقن بقرب الأجل , ولهذا كان يسأل الناس عقب كل مقطع قائلاً: ” ألا هل بلّغت ؟ ” ثم يقول : ” اللهم اشهد“ . و لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي بعدها بثلاثة أشهر , فقد سُميت خطبة الوداع.
النـــــــــص : أمَّا بَعْدُ : أيُّها النَّاسُ , اسْمعو منِّي أُبيِّنْ لَكُمْ , فإني لاَ أدرْي لَعَلِّي لا ألْقَاكُمْ بَعْد عَامِي هَذَا. أيُّها النَّاسُ: إنَّ دماءكُمْ و أمْوَالكُم حَرَامٌ عَلَيْكُم إلى أن تَلْقَوْا ربَّكم, كَحُرْمَةِ يَوْمِكم هَذا, في شَهْرِكم هَذا, في بَلَدِكم هَذا . أَلا هَلْ بَلّغْتُ ؟ اللَّهُمَّ اشْهَدْ. فَمَنْ كَانَت عِنْدهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّها إلى منِ ائْتَمَنَهُ عَليْهَا. وَإنَّ رِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ , وَلَكنْ لَكُمْ رُؤوس أمْوالِكُم لا تَظْلِمُون ولَا تُظْلَمُون قَضَى الله أن لا ربَا, إنَّ أوّل ربَاً أبْدَأُ بِهِ رِبا عَمّي العَبّاسِ بْن عَبْدِالمُطّلِبِ. وإنّ دِماءَ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ ... وإن مَآثِرَ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ غَيْرَ السَّدَانةِ و السِّقايَةِ و العَمْدُ قَوَدٌ , وشِبْهُ العَمْدِ مَاقُتِلَ بالعَصَا و الحَجَر, وفيهِ مِئةُ بَعِيرٍ, فَمنْ زَادَ فَهُو مِنْ أهلِ الجَاهِليّةِ
أيُّها النَّاسُ: إنَّ الشّيْطَانَ قَدْ يَئِس أنْ يُعْبدَ في أرْضِكم هَذِهِ, و لَكِنّهُ قدْ رَضِيَ أنْ يُطَاعَ فِيما سِوى ذَلِك مما تُحَقِّرُونَ منْ أعْمَالكم. أيُّها النَّاسُ: إنَّ لِنِسائِكُم عَليْكم حَقًّا , وَلكم عَلَيْهِنَّ حَقٌّ, لَكم عَلَيْهِنّ ألاّ يُوَطِّئْنَ فُرُشَكم غَيْركم, وَلاَ يُدْخلْنَ أحَداً تَكْرَهُونَهُ بُيُوتَكم إلا بإِذْنِكم, ولا يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ. فإنْ فَعَلْنَ فإنّ الله قدْ أذِنَ لَكم أنْ تَعْضُلُوهُنّ, و تَهْجُرُوهُنّ في المَضَاجِعِ, و تَضْرِبُوهُنّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّح, فإنْ انْتَهَيْنَ و أطَعْنَكم فَعَليكم رِزْقُهًنّ و كِسْوٌتُهُنّ بالمَعْرُوفِ, فاتَّقُوا الله في النِّساءِ, واسْتَوْصُوا بِهِنّخَيْراً. ألاَ هَلْ بَلّغْتُ؟ اللّهُمّ اشْهَد. أيُّها النَّاسُ: إنمَا المُؤْمِنونَ إخْوةٌ, فلايَحِلُّ لامْرِئٍ مَالُ أخِيهِ إلا َّ عنْ طِيبِ نفْسٍ مِنْهُ. ألا هَلْ بلّغْتُ؟ اللّهُمّ اشْهَد
فلاَ تَرْجِعُنَّ بَعْدي كُفّاراً يَضْرِبُ بعْضُكم رِقابَ بعْضٍ, فإنّي قدْ تَركْتُ فِيكم ما إنْ أَخذْتُمْ بِهَ لنْ تَضِلّوا بَعْده, كِتابَ اللهِ و سٌنّتي. ألا هَلْ بَلّغْتُ؟ اللّهُمّ اشْهد. أيُّها النَّاسُ: إنّ رَبّكم وَاحدٌ, وإنّ أبَاكم واحدٌ, كُلُّكُم للآدمُ, آدمُ مِنْ تُرابٍ, إنّ أكْرَمَكم عِنْد اللهِ أتْقَاكم, ولَيْس لِعَربيٍّ عَلى أعْجَمِيٌّ فَضلٌ إلاّ بِالتَّقْوى.أَلاهَلْبَلّغْتُ؟ اللّهمّ اشْهد. فَلْيٌبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ. والسّلامُ عَليْكم ورحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتِهِ“
التعليق: هذه الخطبة الكريمة على ايجازها تضمنت من الأحكام مايضع الأسس القوية لبناء المجتمع المسلم القوي الصالح المتعاون. الذي يسوده الأمن و تجمله الفضائل و لأخلاق. ولقد كان لهذه الخطبة أثرها , لأنها ألقيت في جموع الحجيج في يوم الحج الأكبر,و كانت تلك سنة كريمة شرعها الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم .واذا استغلها أئمة المسلمين في كل زمان في موسم الحج فإنها تحقق للإسلام فوائد عظيمة.
اشتملت خطبة الوداع على الأحكام و الاداب الآتية: 1- حرمة الأموال والدماء وقداستها, فمن أكل مال مسلم أو سفك دمه, فكأنما انتهك حرمة يوم عرفة في الشهر الحرام, وفي البلد الحرام. 2- وجوب أداء الأمانات. 3- إلغاء الربا وثارات الجاهلية وتراثها غير خدمة البيت الحرام وسقاية الحجيج. 4- أن القاتل عمدا يقتل. والقتل شبة العمد يكون بأداة غير حادة وفية دية مغلظة وهي مئة من الابل. 5- أن ترك الشرك وحده لايكون, وإنما يجب أن يترك المؤمن سائر الذنوب. 6- على الرجال أن يقوموا بحقوق النساء وأن تقوم النساء بحقوق الرجال. 7- الحث على وحدة الكلمة والصف لان الفرقة كفر. 8- وجوب الاعتصام بكتاب الله مهما فشا في العالم من ضلال. 9- تأكيد معنى الاخاء و المساواة بين الناس عامة و المؤمنين خاصة, فلا عنصرية ولاتفاضلالا بالتقوى.
وتعد خطبة الوداع من أعظم الخطب في أدبنا , وقد امتازت بما يلي: أ- الايجاز البليغ, الذي يجمع المعاني العظيمة الواسعة في الألفاظ القليلة. ب- لهجة المودع, فقد افتتحها صلى الله عليه وسلم بما يوحي أنه قد يموت فلا يلقاهم بعد عامهم ذلك . وكان بين الآونة و الأخرى يشهد الله على أنه بلغ الرسالة بعد أن يسألهم: ألاهلبلغت ؟ جـ- البساطة في الألفاظ , وذلك لان الخطبة تعليمية والأسلوب تعليمي يجب أن يخلو من الصعوبة و التعقيد والتكليف. د- حلاوة النغمة وجمال التقسيم في الجمل , مع وقوع بعض السجع في غير تكلف أو اكثار. هـ- الاستفادة الواضحة من ألفاظ القرآن الكريم, ومن معانية العظيمة ومقاصده الكريمة. و- التكرار البليغ الذي يهدف إلى التاكيد و الاقناع الملزم.