140 likes | 373 Views
قواعد ذهبية من أجل حياة هنيَّة. بقلم: أ/ آمال المغامسي.
E N D
قواعد ذهبية من أجل حياة هنيَّة بقلم: أ/ آمال المغامسي
من الحقائق المسلم بها أن السعادة هي أهم مطلب يسعى إليه البشر على اختلاف أجناسهم ومشاربهم ودياناتهم؛ بل هي المطلب الأساس الذي سعت إليه الأجيال منذ بدء الخليقة فأصابت السبيل حيناً وأخطأته أحيانا أخرى، والمسلم يعرف أن قربه من الله هو فقط ما يريح قلبه ويملأ ذلك الفراغ النفسي والعقلي والروحي الذي قد ينتابه، وهو وحده الموصل إلى سعادة الدنيا والآخرة. لكننا حتى ونحن نعلم ذلك نخطئ أحياناً في مقاربة الطريق، ونجلب لحياتنا الكثير من القلق والتوتر والشقاء لأننا نبالغ في تصرفاتنا، ونضخم الأمور، ونصر على بعض مواقفنا الخاطئة، ونركز على الجوانب السلبية في الحياة, ولو اتبعنا قاعدة يسيرة وفعالة تقول: (لا تهتم بصغائر الأمور فكل الأمور صغائر), لما انزعجنا إلى هذا الحد .
وهذه القاعدة أصيلة في الإسلام؛ لأنه فعلاً لا شيء في الحياة مهما بلغ يستطيع أن يوصلنا إلى مرحلة الشعور بالشقاء واليأس ما لم نرد نحن ذلك؛ فالحياة في حس المسلم عديمة المقدار، وهذا ما علمنا إياه كتابنا {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا} [الكهف45]، وما علمنا إياه رسولنا صلى الله عليه وسلم: (لو كانتِ الدنيا تعدلُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ، ما سقى كافرًا منها شربةَ ماءٍ).حديث صحيحفالحياة مليئة بصغائر الأمور التي تؤثر فينا سلباً، وتدفعنا إلى التصرف أحياناً تصرفات غير سليمة، فكيف يمكن أن نتعايش معها بسلام ؟
يمكن ذلك عبر بعض القواعد التي جاء بها ديننا، وحثنا عليها شرعنا قبل أن تجود بها أقلام بعض المهتمين بتنمية الذات وتطويرها، ومنها: * لنعط من أجل العطاء فقط:فالكثير من الناس يقدم المساعدة والإحسان، ويبذل الجهد والوقت والمال للآخرين وهو يتطلع إلى الشكر والتقدير والاستحسان، وهي حاجة فطرية أهتم بها الرسول صلى الله عليه وسلم فمدح صحابته الكرام وأثنى على المتميزين منهم، لكننا في واقع الحياة لا نجد دائماً الشكر والتقدير فيصاب بعض الناس جراء ذلك بالإحباط، وتبدأ المشاعر السلبية بالتسلل إليهم, ويتراجع عطاؤهم، ويخفت حماسهم, والحل أن نعطي من أجل العطاء فقط دون انتظار المقابل من أحد إلا الله {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا}[الإنسان9]،وأن نفكر في عوائد ذلك علينا في الدنيا والآخرة؛ فالعطاء في حد ذاته قيمة تمنح الإنسان السعادة والشعور بالرضا .
* لنتعلم أن نعيش في الوقت الحاضر: فكثيراً ما تستولي علينا مشاعر القلق والإحباط والضيق والحزن لأننا نسمح لمشكلات الماضي وهموم المستقبل أن تسيطر على وقتنا الحاضر، مع أننا نعلم علم اليقين أن الماضي لا يعود، وأن المستقبل قد يأتي وقد لا يأتي؛ فليس هناك ما يضمن حياة أي منا في الغد، في حين أن الوقت الحاضر هو الوقت الوحيد الذي نملكه، ونسيطر عليه . والحل هو في تنمية الشعور بالتوكل على الله في كل الأمور، وتفويض الأمور كلها إليه سبحانه، والثقة المطلقة في حسن تدبيره ،وأن نتعامل مع الماضي على أنه مجموعة خبرات وتجارب نفيد منها في حاضرنا، وأن نترك الخوف من المستقبل ونوكل أمره إلى الله، ونعيد تركيزنا على الوقت الحاضر، ونستثمره في العمل الصالح وفي إسعاد أنفسنا .
* لا يمكن للحياة أن تكون تماما كما نريد أن تكون: فالحياة مدرسة منهاجها الصبر {اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال46]،وهي دنيا خلقها الله لتكون دار ابتلاء {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الكهف2]؛ فلا داعي إذن للإصرار على تغيير الأمور، ولنتقبل بعضها بصبر حتى نحصل على طمأنينة القلب وراحة النفس،ولننظر إلى كل ما يواجهنا من أحداث على أنه نقطة صغيرة في بحر أمور كبيرة جداً في الحياة، فنحن لا نستطيع أن نجعل كل الناس طيبين ومسالمين، ولا نستطيع أن نجعل جميع الأمور تسير كما خططنا لها تماماً، ولا أن نجعل الحياة مطابقة للصورة الجميلة التي رسمناها لها في مخيلاتنا، وإذا أصررنا على أن يكون الأمر كذلك فإننا سنعيش سلسلة من الإحباطات والمضايقات، وسنظل نتألم على كل أمر هلهل نسيج تصوراتنا، وجاء على خلاف ما خططنا، ولا يعني هذا أن لا نبذل قصارى جهدنا لتحسين معيشتنا وتصحيح أوضاعنا؛بل يعني أنه يجب أن نتخلص من أي شعور سلبي يخالجنا عندما يفوتنا شيء منها ، وأن نعلم أن الحياة ليست مثالية .
* لنخصص لحظات كل يوم نسمح فيها لشعور الامتنان والشكر أن يغمر نفوسنا: فالشعور بالامتنان والشكر لله أولاً،و للناس ثانياً يجعلنا نفكر بكل تلك الأشياء الجميلة في حياتنا، وبكل أولئك الناس الذين يحاولون إسعادنا فتمتلئ نفوسنا حينها بالسلام والسعادة، ولذلك علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن نفتتح يومنا وأن نختتمه كذلك بدعاء عظيم يفيض شكراً وامتناناً وعرفاناً: (اللَّهُمَّ ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر)، وعلمنا أن نجعل من أهم أخلاقنا الاجتماعية شكر الآخرين وتقدير صنائعهم "من لا يشكر الناس لا يشكر الله",وهذا من شأنه أن يشعرنا بكل تلك الأشياء الإيجابية التي تزخر بها حياتنا من إيمان وأمن وصحة ومسكن وأهل، وغيرها وغيرها .
* لنفصح عن مشاعرنا الإيجابية تجاه الآخرين:فكثيراً ما نهمل اعترافنا للآخرين بالحب أو الإعجاب أو نؤجله، إما لاعتقادنا أن الآخرين لا يحتاجون لسماع ذلك منا، أو لخجلنا من الإفصاح عن مشاعرنا، أو لعدم اعتيادنا فعل ذلك، في حين أن إخبارنا الآخرين بحبنا لهم، أو تقديرنا أو إعجابنا بعمل قاموا به له عائد كبير في إسعادهم، وتعزيز ثقتهم في أنفسهم، وتوطيد علاقتنا بهم, وهو منهج نبوي في التعامل؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم حثنا إذا أحب أحدنا أخاه أن يخبره، وأثنى على صحابته الكرام رضوان الله عليهم، وأشاد بكريم خصالهم وجميل أفعالهم؛ بل وكنى بعضهم بأبرز حسناتهم وخِلالهم، فهذا الصدّيق، وهذا الفاروق، وذلك سيف الله المسلول، وذاك أمين هذه الأمة .
* لنفكر دائماً فيما نملك بدلاً من التفكير فيما نريد امتلاكه: كثيراً ما نفكر فيما نريد امتلاكه أكثر من تفكيرنا فيما نملكه بالفعل، وكأننا نريد أن نضيف كل يوم شيئاً آخر لقائمة ممتلكاتنا، وهذا يعني أننا لن نكتفي, ولن نشبع يوماً من طلب المزيد (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً, ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب) حديث صحيح. • فكلما حصلنا على أحد احتياجاتنا فكرنا بشيء آخر نريده بدلاً من الاستمتاع بما نملك بالفعل، متجاهلين حقيقة أن الرغبة في الحصول على المزيد لا يمكن إشباعها، وأن امتلاك هذا أو ذاك لن يشعرنا بالرضا المطلق؛ لأننا حينها سنتطلع إلى امتلاك شيء آخر لا نملكه، وبذلك يغيب من حياتنا الشعور بالرضا والقناعة، ورسولنا صلى الله عليه وسلم دعانا للرضا بما قسم الله لنا لنكن أغنى الناس, وعلمنا أن نقدر قيمة ما نملك ونستمتع به فعلاً فقال: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) .حديث صحيح
* لنخصص لأنفسنا وقتا للهدوء كل يوم: بلا ضجيج ولا مقاطعات ولا حتى أفكار، وقيام الليل أفضل عمل يمكن أن يحقق لنا ذلك، ويعيد لحياتنا الاتزان، ويعيننا على القيام بالتزامتنا التالية، ويشعرنا بالقدرة على الهدوء والتركيز؛ فحياتنا اليومية مليئة بالضغوط والمنغصات، ونحن بحاجة إلى مصفاة تخلصنا من مخلفات ذلك كله، وقيام الليل بما فيه من تزود بالقدرة الإلهية، والالتجاء إلى الله سبحانه، وإظهار الافتقار إليه، والاستعانة بحوله وقوته، يشعرنا بأن الله معنا في كل حين، ومن كان الله معه فما خاب ولا خسر، وبذلك نستقبل يوماً آخر من حياتنا بطاقة أفضل، وبنفسية أفضل، قال صلى الله عليه وسلم: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام،بكل عقدة يضرب عليك ليلا طويلا،فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان،فإذا صلى انحلت العقد فأصبح نشيطا طيب النفس،وإلا أصبح خبيث النفس كسلان).حديث صحيح
ولنتذكر ختاماً أن حياتنا رحلة قصيرة؛ فلنقدم فيها ما يعمر دنيانا وآخرتنا بالخير والسعادة .