1.73k likes | 5.97k Views
سيرورة درس : مجزوءة الوضع البشري .. + تحديد المصطلحات و صياغة الإشكالية : ـــ الوضع : الحالة التي يوجد عليها كائن حي أو شيء ما، مرتبته الاجتماعية، الحالة الفيزيائية أو الأخلاقية للشخص، علاقات الشخص و مصيره... ـــ البشري : الإنساني أو ما يتعلق بالطبيعة الإنسانية من صفات..
E N D
سيرورة درس : مجزوءة الوضع البشري.. + تحديد المصطلحات و صياغة الإشكالية : ـــ الوضع: الحالة التي يوجد عليها كائن حي أو شيء ما، مرتبته الاجتماعية، الحالة الفيزيائية أو الأخلاقية للشخص، علاقات الشخص و مصيره... ـــ البشري: الإنساني أو ما يتعلق بالطبيعة الإنسانية من صفات.. ـــ المعنى الكلي : وجود الإنسان في أبعاده المختلفة ، الذاتية ،الاجتماعية، العلائقية.. ـــ أين يتجلى الطابع الإشكالي لهذا الوجود ؟ من بين مواضيع الفلسفة منذ ظهور الفلسفة يمثل الإنسان مجالا للتساؤل: من هو الإنسان ؟ أو ماهي محددات وجوده؟ ما الذي يكسبه قيمة؟ما هي حدود حريته ؟ هل يتأثر وجوده بوجود الآخر ؟ ما هي طبيعة علاقته بالغير؟
درس: الشخـــــــــــــــــص باسكــــال النصالمنطلق : ما الأنا ؟ إن رجلا يقف على النافذة لرؤية العابرين يجعلني أتساءل إذا كنت أمر من هناك ، هل وقف ذلك الرجل لرؤيتي أنا ؟ الجواب لا ، لأنه لا يفكر في أنا بصفة خاصة ، لكن بالنسبة لإنسان يحب أحدا لجماله ، هل يحبه فعلا ؟ الجواب لا، لأن داء الجذري إذ يقضي على الجمال، دون أن يقضي على الشخص، سيقضي على ذلك الحب تماما، وإذا كان هناك من يحبني نظرا لجودة حكمي أو لقوة ذاكرتي، فهل يحبني أنا فعلا ؟ الجواب لا، لأنه يمكن أن أفقد تلك الصفات دون أن أفقد ذاتي. فأين يوجد إذن هذا الأنا ، إذا لم يكن لا في الجسم و لا في النفس ؟ ثم كيف نحب الجسم أو النفس ، إذا لم يكن بسبب تلك الصفات التي ليست هي الأنا أبدا،لأنها قابلة للزوال ؟ و هل يمكن أن نحب بشكل مجرد جوهر نفس شخص مع بعض الصفات البارزة؟ هذا غير ممكن وغير عادل. إننا لا نحب أحدا إذن، بل نحب فقط صفات معينة . في رحاب الفلسفة ص14
تحليل النص: أسئلة موجهـــة للتحليل : 1 ـ يقدم الكاتب ثلاث صور يكون فيها موضوعا بالنسبة للآخر. ما هي هذه الصور ؟ 2 ـ هل يستطيع الآخر إدراك الأنا أو محبته لذاته؟ و لماذا ؟
يستهل الكاتب النص بالتساؤل التالي : " ما الأنا؟ " أو ما الشخص؟ • وهو تساؤل يتعلق بالماهية أي بالطبيعة أو بالمكون الأساسي للشخص، • و إذا ما كانت قد جرت العادة بتعريف الشخص بوصفه كلا حيث • يقال إنه إنسان أو كفردية متميزة فيقال فلان شخص. فإنه • في كلتا الحالتين لا يتم التعرف بالدقة اللازمة ، • لتوضيح ذلك يستعين الكاتب بتقديم ثلاث حالات تؤكد هذه الواقعة :
الحالة الأولى : يقدم الكاتب نفسه بوصفه عابر سبيل قد يكون موضوع رؤية من طرف إنسان يقف على النافذة ، فهو في هذه الحالة ليس سوى عابر سبيل بالنسبة للآخر ،غير أنه يدرك في قرارة نفسه أنه يتجاوز تحديده بهذه الصفة وأن طبيعته لا تختزلهاصفة عابر سبيل . الحالة الثانيـة: تتمثل في أن يحب شخص إنسانا لجماله، الجمال صفة قد تزول إذا ما حلمرض بهذا الشخص مما يترتب عنه زوال هذا الحب. المحب هنا لا يتعلق بأنا الشخصبل بصفة من صفاته البارزة ، وهكذا فالصفات الجسمية لا تدل على ماهية الأنا . الحالة الثالثـة: أن يكون موضوعا لحب الآخر ليس لصفة جسمية بل لصفات نفسية هي: قوة الذاكرة وجودة الحكم. إن هذه الصفات هي الأخرى ليست دائمة الحضور في الشخص ، ومعرضة للفساد والزوال ، وبالتالي فهي لا تعبر عن حقيقة الأنا .
النتيجة التي ينتهي إليها الكاتب هي أن الأنا يتجاوز تجلياته الفيزيائية أو النفسية وأنه غير قابل للتحديد ، ولعل هذا ما جعل مفهوم الشخصموضوعا لتساؤلات فلسفية عديدة منها : ما هي هوية الشخص ؟ فيماذا تتجلى قيمته ؟ هل هو كائن حر أم هو خاضع لحتميات ؟
المحور الأول : الشخص و الهوية تعريف المصطلحات : ـــالشخصPERSONNE:
بداية يجب التمييز بين كلمتي : شخص و شخصية ، فكلمة شخص تعني من بين ما تعنيه : الذات /الأنا/ الإنسان بصفة عامة ولا تعني كائنا فردا بعينه،وأما كلمة شخصية فهي مفهوم ينتمي إلى حقل العلوم الإنسانية ويقصد به النموذج النظري الذي ينشئه العالم من أجل دراسة الإنسان كالذي نجده عند العالم فرويد : ( الهو/الأنا/الأنا الأعلى).وبالرجوع إلى اللسان العربي نلاحظ أنه ورد بصدد كلمة شخص عدة معاني منها : البدن الضخم،الجسم المرتفع البارز،ويقال للرجل شخيص إذا ما كان سيدا في قومه،وشخص شخوصا بمعنى ارتفع..فمعنى كلمة شخص هنا يحيل على فكرة الظهور والبروز وقابلية المعاينة. أما في اللغة الفرنسية فإن كلمة personne مشتقة من الكلمة اللاتينية personaالتي تدل على القناع الذي يضعه الممثل ليتناسب مع الدور الذي يقوم به في مسرحية ما .
ـــ الهوية IDENTITE : الصفات والخصائص التي تحدد كائنا ما و تميزه عن بقية الكائنات.
هذا الوجود المتعدد المظاهر، وهذه الصفات المتناقضة التي تنسب إلى الشخص دفعت الفلاسفة إلى التساؤل :هل تتحدد هوية الشخص من خلال خصائصه الجسمية أم النفسية؟
ديكـــارت نص : الأنا كنت أعتقد..أنني إنسان ولكن ما هو الإنسان؟ هل أقول إنه حيوان عاقل؟ كلا. إذ يضطرني هذا إلى البحث، بعد ذلك، في ما هو الحيوان وما هو العاقل،فأنزلق هكذا من سؤال واحد إلى الخوض،بلا وعي ، في أسئلة أخرى أشد صعوبة وتعقيدا.وأنا غير قادر على مضيعة ما لي من وقت فراغ في محاولة الكشف عن مثل هذه الصعوبات..حين عكفت على البحث في كياني. حسبت، أولا، أن لي وجها، ويدين وذراعين، وكل ذلك الجهاز المؤلف من لحم، وعظم، على نحو ما يبدو في جسم الإنسان، وهو الذي كنت أدل عليه باسم البدن. حسبت أيضا أنني أتغذى، وأمشي، وأحس، وأفكر، ناسبا للنفس جميع هذه الأفعال. وسواء بحثت مطولا في ماهية النفس ، أو لم أبحث، فقد كنت أتصورها شيئا نادرا، ولطيفا جدا ، كريح أو شعلة ، أو نسيم رقيق للغاية، وقد اندس، وانتشر في أخشن أعضائي. أما الجسم فما شككت يوما في طبيعته، بل كنت أظن أني أعرفه معرفة متميزة. ولو أردت شرحه، وفق المعاني التي كانت في ذهني، لشرحته على النحو التالي: الجسم هو كل ما يمكن أن يحده شكل. هو كل ما يمكن أن يتحيز فيحتويه مكان..هو كل ما يمكن أن يحس..هو كل ما يحركه..شيء خارجي ذلك لأنني لن أعتقد يوما، أن القدرة على التحرك من الذات ، وعلى الإحساس والتفكير من الذات، أمور تعود إلى طبيعة الجسم . بالعكس ، لقد كان يدهشني أن أرى مثل هذه القوى حادثة في بعض الأجسام . لكن أنا من أكون أنا..من جميع الصفات التي نسبتها قبلا لطبيعة الجسم؟ لقد فكرت مليا في الأمر، فلم أجد من هذه الصفات شيئا يصح القول بأنه من خصائص نفسي. ولننتقل إلى صفات النفس ، ولنتساءل عما إذا كنت أملك إحداها . أول ما أوردنا من هذه الصفات، هو التغذي والمشي .لكن، إذا صح أن لا جسم لي، صح أن لا تغذ لي ولا مشي . ثم أوردنا صفة ثانية من صفات النفس، هي الإحساس . لكن، لا إحساس بدون جسم..ثم أوردنا صفة ثالثة ، من صفات النفس ، هي الفكر . هنا أجد أن الفكر صفة تخصني. أنا موجود ..لكن كم من الوقت ؟ مادمت أفكر .
تحليل النـــــص : صاحب النص : روني ديكارت ولد بفرنسا سنة 1596، تميز بالاشتغال بالرياضيات ثم انتقل بعد ذلك إلى الفلسفة، حاول نقل المنهج الرياضي إلى مجال الفلسفة ، اعتمد منهج الشك ، خلف مؤلفات عديدة منها : "أهواء النفس" " مبادئ الفلسفة" " التأملات" " مقال في المنهج " .. اعتبر العقل مصدرا لجميع المعارف ووضع له قواعد للاستعمال ..فهو مؤسس الفلسفة العقلية الحديثة..توفي سنة1650. المفاهيم : الماهية ـ الجسم ـ النفس ـ الحيز . الماهية: ما هو ثابت وراء الأعراض التي تتغير باستمرار. الجسم : حسب التعريف الديكارتي هو ما يوجد في مكان، له شكل ،يحس وقابل للتحريك. النفس: مجموعة من القوى غير القابلة للتحديد. الحيز: جزء من المكان .
موضوع النـــص : محددات هوية الشخص . إشكالية النص : إلى أي حد يمكن اعتبار الجسم محددا لهوية الشخص؟ • الأطروحـــــــة :نظرا لأن الجسم في حالة تحول مستمر والنفس تحتوي على صفات مثل: التغذي ،المشي والإحساس ، وأن هذهالصفات لا تخص الإنسان وحده. فإن ديكارت يجعل من التفكير الصفة التي تخص الإنسان • و ينتهي إلى اعتبار نفسهشيئا مفكرا.
الحجــــــــج: ــــ مبررات الزمن : عدم الاستغراق في البحث عن ماهية الحيوان والعقل بدعوى أن ذلك يفضي إلى إهمال الموضوع الأساسي . ــــ التعريـــــــــــــف : تعريف الجسم والنفس ، لاستنباط ما يمكن استنباطه من أحكام حول هوية الشخص . ــــ الإقــــــــــــــرار : نفي الصفات المشتركة والاعتماد على الحد الفاصل بين الإنسان والحيوان لتحديد هوية الشخص . أفكار النــــص : * التساؤل عن ماهية الإنسان ، وقد استعمل حرف السؤال "ما" الذي ينطبق على سائر الكائنات ليبين أنه ينطلق من خلفية خالية من المعارف المسبقة في بحثه عن ماهية الشخص . * التخلي عن التعريف السائد للإنسان " حيوان عاقل " لأن البحث في هذا التعريف يؤدي إلى التخلي عن الموضوع الأساسي . * الاعتراف بأن له جسم مكون من أعضاء . الاعتراف بأنه يقوم بأفعال مثل: التغذي ،المشي، الإحساس والتفكير وأن هذه الأفعال تابعةللنفس. *محاولته تعريف النفس اعتمادا على صور مجازية ) ريح ، شعلة ، نسيم رقيق..( * تعريف الجسم ) له شكل ، يوجد في مكان ، يحرك بفعل قوة خارجة عنه ( * افتراض غياب الجسم قد يؤدي إلى غياب ما يدل عليه أي صفات التغذي ،المشي،الإحساس و التفكير. • استنتاج أن الفكر هو الصفة الثابتة في الإنسان* • (أنا شيء مفكر)
التركيب : يمثل هذا النص لحظة من لحظات المشروع الفلسفي الديكارتي الذي يهدف إلى وضع المبادئ الأساسية للفلسفة بوصفها تفكيرا عقلانيا ،إذ يعتبر كتاب التأملات التطبيق الفعلي لقواعد المنهج الديكارتي التي تتخذ مبدأ لها الشك المنهجي ، في سياق هذا التأسيس العقلاني لخطابه الوجودي يتساءل عن ماهية الإنسان قائلا :" ولكن ما هو الإنسان ؟ " يجيب عن ذلك على النحو التالي : يؤكد وجود الجسم بوصفه شيئا محسوسا يدل عليه الوجه وبقية الأعضاء ، كما يؤكد وجود النفس ناسبا إليها مجموعة من القوى مثل قوة التغذي والمشي والإحساس . ويعرف النفس تعريف عاما يعتمد فيه على التشبيه حيث يشبهها بشيء نادر، لطيف، شعلة أو نسيم يسري في الأعضاء . أما الجسم فيعرفه يقينا على أنه شيء له شكل، يحتويه مكان، يحرك بفعل قوة خارجية. يبحث في أي من هذه الصفات تخصه دون غيره من الكائنات فيجد أن جميعها تقتضي وجود الجسم وبالتالي فهي مشتركة بينه و بين بقية الكائنات باستثناء صفة واحدة لا تقتضي بالضرورة وجود الجسم ألا وهي صفة التفكير ، وبالتالي يعتبر الإنسان جوهرا مفكرا.
الهويـــــــــــــــــــة والشـعــــــــــــــــــور لكي نهتدي إلى ما يكون الهوية الشخصية لا بد لنا أن نتبين ما تحتمله كلمة الشخص من معنى. فالشخص ، فيما أعتقد ، كائن مفكر عاقل قادر على التعقل والتأمل ، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها ، وأنها هي نفس الشيء الذي يفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة . ووسيلته الوحيدة لبلوغ ذلك هو الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة . وهذا الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر ، بل هو فيما يبدو لي ، ضروري وأساسي تماما بالنسبة للفكر ، مادام لا يمكن لأي كائن ـ بشري ـ كيفما كان ، أن يدرك إدراكا فكريا دون أن يشعر أنه يدرك إدراكا فكريا . عندما نعرف أننا نسمع أو نشم أو نتذوق أو نحس بشيء ما أو نتأمله أو نريده ، فإننا نعرف ذلك في حال حدوثه لنا . إن هذه المعرفة تصاحب على نحو دائم إحساساتنا وإدراكاتنا الراهنة، وبها يكون كل واحد منا هو نفسه بالنسبة إلى ذاته . وفي هذه الحالة لا نأخذ في الاعتبار ما إذا كانت الذات نفسها تبقى مستمرة في الجوهر نفسه أو في جواهر متنوعة . إذ لما كان الشعور يقترن بالفكر على نحو دائم، وكان هذا هو ما يجعل كل واحد هو نفسه ، ويتميز به، من ثم ، عن كل كائن مفكر آخر ، فإن ذلك هو وحده ما يكون الهوية الشخصية أو ما يجعل كائنا عاقلا يبقى دائما هو هو . وبقدر ما يمتد ذلك الشعور بعيدا ليصل إلى الأفعال والأفكار الماضية ، بقدر ما تمتد هوية ذلك الشخص وتتسع. فالذات الحالية هي نفس الذات التي كانت حينئذ ، وذلك الفعل الماضي إنما صدر عن الذات نفسها التي تدركه في الحاضر . جون لوك ، مقالة في الفهم البشري، في رحاب الفلسفــة
تحليــــــــــــــــل النـــــــــــــــــص: صاحب النص : ولد جون لوك سنة ألف وستمائة واثنين وثلاثين وتوفي سنة ألف وسبعمائة وأربعين ببريطانيا ، كانت اهتماماته الثقافية متنوعة تجمع بين الفلسفة ،اللغة والعلم .كما اشتغل بالطب . فلسفته ذات توجه تجريبي ، ترك مؤلفات عديدة منها : "مقالة في التسامح"، "التشريح" " فن الطب " " رسالة في التسامح " " مقالة في الفهم الإنساني" " أفكار في التربية "... مفاهيم النـــص : التعقل ـ التأمل ـ الشعور ـ الإحساس ـ الإدراك ـ الجوهر. التعقل : التأمل : الإدراك اعتمادا على القوى العقلية. الشعور : معرفة النفس لذاتها أو لما تختبره . الإحساس : إدراك بواسطة الحواس .الإدراك : المعرفة. الجوهر : الثابت في الأشياء .
فهم النـــــــص : 1 ــ ( لكي ..من معنى ) = استعمال الكاتب أداة الشرط "لكي" أي شرط معرفة ما يكون الشخصية وتقديم جواب الشرط ألا وهو ضرورة تحديد معنى الشخص . 2 ـ( فالشخص ..أنه يدرك إدراكا فكريا ) = يعرض الكاتب تعريفه للشخص اعتمادا على المفاهيم التالية : هو مفكر عاقل : التفكير بمعنى القيام بعمليات ذهنية عليا وعاقل بمعنى يخضع في تفكيره لقواعد منطقية . هو قادر على التعقل و التأمل : أي له ملكة طبيعية تمكنه من إضفاء طابع عقلاني على الظواهر التي تكون موضوعا لتفكيره وبإمكانه التأمل أي التمعن والتدقيق في معالجته لجميع الظواهر التي يفكر فيها .هو قادر على الرجوع إلى ذاته باعتبارأنها مطابقة لنفسها : ما يمكن الفرد من العودة إلى الذات هو الشعور أي الوعي وهو حالة اليقظة والانتباه، حين يتأمل الفرد ذاته يدرك في أعماقه رغم تعاقب الأزمنة وتنوع الأمكنة وتباين الأحداث و الأفعال أنه نفس الشخص في كل هذه الحالات . والشعور بهذا المعنى ملازم لعملية التفكير لا يقبل الانفصال عنه إنه محايث له .
3 ــ ( عندما نعرف ..هو هو ) = يقدم الكاتب أصناف المعرفة : الفكرية الخالصة " نتأمل ـ نريد " أو الحسية : " نسمع ـ نشم ـ نتذوق ـ نحس " مبينا أنها جميعا حين تحدث لنا وندركها فإن ذلك يقتضي بالضرورة أن يكون الإنسان في حالة شعورية. 4 ــ ( وبقدر ـ آخر النص ) = إن الوعي لا يتعلق بالحاضر و إنما بإمكان الفرد استرجاع الأحداث الماضية التي وقعت له والتفكير فيها من جديد . وهذا يدل على حضور الذاكرة بوصفها بعدا مكونا للشخص .
موضـــوع النـــص : ثوابت هوية الشخص . إشكاليــــة النــــــص : هل تنحصر هوية الشخص في القدرة على التفكيــــــــــر؟ الأطروحـــــــــــة : إن ما يحدد هوية الشخص هو القدرة على التفكير والوعي بالذات وتذكر الأفعال والأفكار والمواقف الماضية. أفكار النـــــــــــــــص :* لا يمكن ضبط هوية الشخص إلا من خلال تعريف الشخص .* تدرج الكاتب في تحديد هوية الشخص : ــ الشخص كائن مفكر عاقل ـ العودة إلى الذات أو الوعي الانعكاسي ـ تزامن الوعي مع الإحساسات ـ امتداد الوعي إلى الماضي أو التذكر . الحجـــــــــــــــج : اعتماد الكاتب على الحجة بالمثال ( السمع ، الشم ، التذوق ) ـ استعماله ضمير الجماعة لتوريط المتلقي .
التركيـــــب: • يبحث النص عن تحديد دقيق لمفهوم الشخص بالاعتماد على مفهومين أساسيين يشكلان هوية الشخص هما : الوعي و الذاكرة . وهكذا يعرض بداية لتعريف الشخص قائلا :" كائن مفكر عاقل قادر على التعقل والتأمل ، و على الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها ..ووسيلته الوحيدة لبلوغ ذلك هو الشعور .." لفهم مضمون هذا التعريف يلزم التوقف عند مضامين وأبعاد مكوناته : ــ الشخص كائن مفكر عاقل : يعني الإقرار بوجود الإنسان الذي يتميز بالفكر والعقل ، وتتجلى هذه المميزات في أفعال العقل وهي التعقل أي إضفاء طابع عقلاني على الظواهر التي يهتم بمعالجتها وأفعال الفكر وهي التأمل أي إعمال العقل في استخلاص النتائج وتدبر الأمور . ــ القدرة على الرجوع إلى الذات و اعتبارها مطابقة لنفسها :
إن العودة إلى الذات هي ما يسمى فلسفيا بالوعي الانعكاسي أي أن الفرد يجعل ذاته موضوعا للتأمل ليدرك نفسه أنها هي هي في مختلف الأزمنة والأمكنة . ــووسيلة الإنسان في ذلك هي الشعور : إن الشعور عند لوك يتخذ معنيين هما الوعي أي الإدراك وكذلك معنى الإحساس ، فالشعور بهذا المعنى هو الذي يسمح للفرد بمعرفة فيما يفكر فيه وهو الذي يمكنه من الإحساس بما يقع له أو ما يقع في محيطه . و هكذا فالشعور لا ينفصل عن الفكر من هنا قوله :" ما دام لا يمكن لأي كائن بشري، كيفما كان ، أن يدرك إدراكا فكريا دون أن يشعر انه يدرك إدراكا فكريا ."
ويؤكد لوك على اقتران الفكر بالشعور ، إذ أن هذا الاقتران هو الذي يمكن الفرد من معرفة نفسه في كل لحظة من مسار تطور حياته وأفعاله ، وأن هذا الشعور له امتداد في الزمن ليشمل ماضي حياة الفرد أي أن الذاكرة وما تختزنه من وقائع يتم الشعور بها فتعطي للفرد إحساسا بالهوية الشخصية في أبعادها الزمنية والمكانية .على الجملة يمكن القول إن هوية الشخص تتحدد بالفكر والشعور والقدرة على التذكر . فما هو الاختلاف بين أطروحة لوك وما قدمه الفيلسوف الفرنسي ديكارت ؟يتمثل الاختلاف بينهما في كون ديكارت حين يعرف الشخص ويحدد هويته فإنه يؤمن بوجود جوهر متعالي عن الجسم هو النفس ، فيكون تعريفه للشخص تعريفا ميتافيزيقيا حين يعتبره جوهرا مفكرا . أما لوك فيعرض تعريفا للشخص اقرب إلى التعريف القانوني حين يعتبره عاقلا مفكرا واعيا مدركا لحاضره وماضيه .
الهوية والإرادة / شوبنهاور على ما ذا تتوقف هوية الشخص ؟ ليس على مادة جسمه ، فإن هذه تتجدد في بضعة أعوام، و ليس على صورة هذا الجسم ، لأنه يتغير في مجموعه وفي أجزائه المختلفة، اللهم إلا في تعبير النظرة ، ذلك أنه بفضل النظرة نستطيع أن نتعرف شخصا ولو مرت سنوات عديدة . و باختصار فإنه رغم كل التحولات التي يحملها الزمن إلى الإنسان ، يبقى فيه شيء لا يتغير ، بحيث نستطيع بعد مضي زمن طويل جدا أن نتعرف عليه ، و أن نجده على حاله ، وهذا ما نلاحظه أيضا على أنفسنا فقد نشيخ و نهرم ، ولكننا نشعر في أعماقنا أننا ما زلنا كما كنا في شبابنا ، بل حتى في طفولتنا ، هذا العنصر الثابت الذي يبقى دائما في هوية مع نفسه دون أن يشيخ أو يهرم أبدا ، هو بعينه نواة وجودنا الذي ليس في الزمان .
و قد يرى الناس عامة أن هوية الشخص تتوقف على هوية الشعور ،فإذا كنا نعني بهذا الذكرى المترابطة لمسار حياتنا ، فإنها لا تكفي لتفسير الأخرى ( أي هوية الشخص) ، و ليس من شك أننا نعرف عن حياتنا الماضية أكثر مما نعرف عن رواية قراناها ذات مرة ، ورغم ذلك فإن ما نعرفه عن هذه الحياة قليل ، فالحوادث الرئيسة و المواقف الهامة محفورة في الذاكرة ، أما الباقي ، فكل حادثة نذكرها تقابلها آلاف الحوادث التي يبتلعها النسيان ، و كلما هرمنا توالت الحوادث في حياتنا دون أن تخلف وراءها أثرا ، و يستطيع تقدم السن أو المرض ، أو إصابة المخ أو حمق أن يحرمنا كلية من الذاكرة ، ومع ذلك فإن هوية الشخص لا يفقدها هذا الاختفاء المستمر للتذكر ،إنها تتوقف على الإرادة التي تظل في هوية مع نفسها ، وعلى الطبع الذي تمثله (...) • و لا شك أننا قد تعودنا تبعا لعلاقتنا بالخارج أن نعتبر الذات العارفة هي ذاتنا الحقيقية ، ذاتنا العارفة التي تغفو في المساء ثم تستغرق في النوم ، لتتألق في الغد تألقا أقوى . و لكن هذه الذات ليست سوى وظيفة بسيطة للمخ ، و ليست هي ذاتنا الحقيقية . أما هذه ، التي هي نواة وجودنا ، فهي التي تختفي وراء الأخرى ، وهي التي لا تعرف في قرارتها غير شيئين : أن تريــــــــــــــــــد أو ألا تريــــــــــــد .
فهم النــص : 1ـ مفاهيم النص: الإرادة : يعتبر هذا المفهوم مركزيا داخل فلسفة شوبنهاور وهو يميز فيه بين معنيين : المعنى الأول : إرادة تجريبية وهي التي تتجلى في الزمان والمكان وتخضع للظروف إنها بمعنى الرغبات الخاصة والمتنوعة التي يعبر عنها الجسم والدوافع النفسية ، و بما هي كذلك فهي خاضعة للتحول والتغير .المعنى الثاني : إرادة عقلية ليس بمعنى خضوعها للعقل وإنما كونها فكرة مجردة تدرك بالعقل ، تتصف بالثبات إنها أشبه بالمثل الأفلاطونية هي التي توجد وراء وجود كل الكائنات وأفعالها إنها إرادة الحياة .
3 ـالتركيـــب :يمثل موقف شوبنهاور من مسألة هوية الشخص لحظة متفردة في تاريخ الفلسفة ، لأنه يسلك نهجا مغايرا لما كان في زمانه من فلسفات عقلية و تجريبية و نقدية . يتضح هذا الأمر جليا داخل النص الذي يمكن قراءته قراءة خطية على النحو التالي : ــ في الفقرة الأولى التي تبتدئ من ( على ماذا ) وتنتهي عند ( سنوات عديدة ) يتساءل الكاتب تساؤلا صريحا حول هوية الشخص ، حول ما يحددها ،فيقوم بنفي أن يكون الجسم أو شكله لأنهما في حالة تغير دائمة باستثناء نظرة الفرد التي تمكن الآخر من التعرف عليه. ــ في الفقرة الثانية التي تبتدئ من ( و باختصار ) و تنتهي عند ( الزمان ) يؤكد الكاتب أن التغيرات التي تطرأ على أحوال الفرد في بدنه أو أفكاره لا يمكنها القضاء على هويته. شيء ما يظل ثابتا فيه ، وهذا يظهر عند جميع الناس الذين رغم تقدمهم في السن يشعرون على أنهم هم الذين عاشوا مرحلة الشاب أو مرحلة الطفولة ، هذا الذي يظل ثابتا في الذوات رغم عوارض الزمان هو الذي يشكل النواة الحقيقية لوجود جميع الأفراد . ــ في الفقرة الثالثة التي تبتدئ من ( وقد يرى) وتنتهي عند ( تمثله ) حيث يوجه الكاتب انتقاد لاذعا لأطروحة جون لوك ففي البدء يضعه في مصاف العامة من الناس ليقلل من شأنه ، موضحا أن من يدعون أن الشعور والذاكرة يشكلان هوية الشخص فهم يجانبون الصواب طالما أن الإنسان غير قادر على تذكر جميع الحوادث وأن الذاكرة معرضة للتلف بفعل المرض أو تقدم الفرد في السن . غير أن الإنسان يظل هو نفسه لأن هناك شيء ما ثابت فيه يشكل هويته ، وهذا الشيء الثابت هو الإرادة .ـ ـ في الفقرة الأخيرة من النص يستهل الكاتب قوله بمحاولة تجاوز الشائع والمعروف الذي درج عليه الناس ألا وهو اعتبار الإنسان كائنا عاقلا ، إذ يؤكد أن الإنسان غير عارف في كل أحواله، و ما المعرفة سوى وظيفة من وظائف المخ أما ما يكون حقيقة الإنسان فهي الإرادة .
المحور الثانــــي : قيمـــــة الشخــــص إشكالية المحور: إن البحث في الوضع الوجودي للشخص لا يلغي وجوده بوصفه كائنا اجتماعيا له علاقات مع بقية الناس، له مواقف من قضايا معينة..غير أن هناك من الناس من يحظى بقيمة أكثر من الآخرين داخل المجتمع: فهل ذلك يعني أن له خصائص وجودية أي لأنه كائن يتميز بطبيعة خاصة تعفيه من السعي والعمل على نيل حظوة و قيمة داخل المجتمع ؟ بتعبير آخر: هل للإنسان قيمة في ذاته أم أن قيمته تحددها طبيعة علاقاته ببقية الناس ؟
الموقف الأول : كــانط / تكمن قيمة الشخص في كونه غاية في ذاته
يوجد الإنسان وبوجه عام كل كائن عاقل، بوصفه غاية في ذاته، وليس مجرد وسيلة يمكن أن تستخدمها هذه الإرادة أو تلك وفق هواها. ففي جميع هذه الأفعال، كما في تلك التي تخص ذاته والتي تخص الكائنات العاقلة الأخرى، يجب دائما اعتباره غاية في ذات الوقت. إن جميع موضوعات الميول ليس لها إلا قيمة مشروطة، ذلك لأنه لو كانت الميول والحاجات المشتقة منها غير موجودة لكان موضوعها بدون قيمة. لكن الميول ذاتها، بوصفها مصادر للحاجة، لها قدر قليل من القيمة المطلقة التي تمنحها الحق في أن تكون مرغوبة لذاتها، وأكثر من ذلك، ينبغي على كل كائن عاقل أن يجعل أمنيته الكلية هي التحرر التام منها. ومن هنا فقيمة جميع الموضوعات التي نكتسبها بفعلنا هي دائما قيمة مشروطة. فالموجودات التي يعتمد وجودها، والحق يقال، لا على إرادتنا، بل على الطبيعة، مادامت موجودات محرومة من العقل، ليس لها مع ذلك إلا قيمة نسبية، قيمة الوسائل، وهذا هو السبب الذي من أجله يدعوها المرء أشياء؛ بينما الموجودات العاقلة تدعىأشخاصا، ذلك أن طبيعتها تدل عليها من قبل بوصفها غايات في ذاتها، أعني شيئا لا يمكن استخدامه ببساطة كوسيلة، شيء يحد بالتالي من كل قدرة على التصرف حسب هوانا (وهو موضوع) احترامنا تلكم إذن ليست مجرد غايات ذاتية، يملك وجودها، من حيث هو معلول لفعلنا، قيمة بالنسبة إلينا، بل هي غايات موضوعية أعني أشياء وجودها غاية في ذاته، بل وتكون غاية بحيث لا يمكن أن نستبدل بها أية غاية أخرى. ويلزم أن تقوم بخدمتها الغايات الموضوعية، بوصفها مجرد وسائل (...) وعلى ذلك، فإذا كان لابد للعقل من مبدأ عملي أسمى، كما لابد للإرادة الإنسانية من أمر مطلق، فإن هذا المبدأ يلزم أن يكون بحيث يكون بالضرورة، عند تمثل ما هو غاية في ذاته، غاية لكل إنسان، فهو يشكل مبدأ موضوعيا للإرادة، ويمكن بالتالي أن يكون بمثابة قانون عملي كلي. وأساس هذا المبدأ هو التالي : إن الطبيعة العاقلة توجد كغاية في ذاتها.إيمانويلكانط، أسس ميتافيزيقا الأخلاق، ترجمة فيكتور دلبوس، دولاغراف، 1969، ص : 148-149
فهـــم الــــــنـــــص : صاحب النص : ولد إيمانويل كانط بألمانيا سنة 1724م ، تم تصنيف فلسفته على أنها فلسفة نقدية لأنها تركيب بين الفلسفة العقلية الديكارتية والفلسفة التجريبية ( لوك و هيوم ) والفيزياء النيوتونية حيث اقتبس عنه مفهومي الزمان والمكان المطلقين . له مؤلفات عديدة منها : ــ نقد العقل الخالص ــ نقد العقل العملي ــ نقد ملكة الحكم ــ أسس ميتافزيقا الأخلاق ــ مقدمات لكل ميتافزيقا تريد أن تكون علما . توفي سنة 1804 .
1 ــ مفاهيم النـص : الإنسان غاية في ذاته : ليس وسيلة لتحقيق أهداف كائن آخر . موضوعات الميــــــول : الأشياء التي نرغب فيها . قيمة مشروطــــــــــــــة : الشرط المطلوب لإعطاء قيمة لشيء ما ، مثلا المنفعة . معلول لنفسنــــــــــــــــا : ناتج عن أفعالنا . أمـــر مطلـــــــــــــــــــق : الواجب الأخلاقي ( معاملة الإنسان بوصفه غاية في ذاته )
ــ المعنى الإجمالي للنــص : يحاول كانط في كتابه " أسس ميتافيزيقا الأخلاق "بناء تصور للقيم الأخلاقية يتجاوز التصور الشعبي للأخلاق الخاضع للظروف و التغير باختلاف الأزمنة و الأمكنة . لهذا جعل من العقل مصدرا للأخلاق كي تكون قيما أخلاقية مطلقة تتجاوز حدود الزمان و المكان . في هذا السياق يجعل من الإنسان قيمة القيم في مقابل الأشياء التي تفتقر إلى قيمة في ذاتها ، بل قيمتها رهينة بميولات الإنسان . فما الذي يجعل من الإنسان ذا قيمة مطلقة ؟ يحدد كانط سببين رئيسين يجعلان من الإنسان الكائن الأعلى قيمة وهما : كون الإنسان يتمتع بالعقل ثم لأنه غاية في ذاته. إن العقل عند كانط يعني في كتابه" أسس ميتافيزيقا الأخلاق " القدرة على إخضاع الإرادة والرغبات والميولات لمبدأ عقلي أخلاقي هو مبدأ الواجب ( تصور عقلي يوجه الفعل الإنساني ) الذي يقتضي من الشخص أن يجعل من سلوكه : ــ قاعدة كونية ــ معاملة الآخر بوصفه غاية في ذاته ــ مصدرا لتشريع القوانين . هكذا يتضح أن اعتبار الإنسان غاية في ذاته هو أحد أوامر مبدأ الواجب : أن يكون الإنسان غاية في ذاته بمعنى أنه يتميز عن الأشياء غير العاقلة ، فهذه الأخيرة يتم تسخيرها لتحقيق غايات توجد خارجها أي أنها وسائل لغايات أخرى والتي تتحدد قيمتها بمدى استجابتها لأهداف الإنسان وأفعاله . أما الإنسان فله كرامة لأنه غاية في ذاته و بالتالي لا يجب إخضاعه لرغبات الآخر تحت الضغط والإكراه وسلب الحرية .
نص : استقلالية الشــخـــص إن فكرة استقلال الذات المفكرة والشخص الأخلاقي، كما تمت صياغتهما من طرف الفلاسفة، لم تتحقق في الفكر الإنساني إلا في وقت متأخر. فهي بمثابة نقطة وصول لمسار طويل في التعلم، وتحقيقا للنموذج الذي ربما ينبغي على الإنسان أن يتوجه إليه بجهده. لكن، لا ينبغي أن ننسى أن تجربة الاستقلال والعزلة لا تشكلان الواقعة الأولى في الوجود، كما عاشها الناس فعليا. فالادعاءات الإيديولوجية حول الإنسان، لا يمكن بأية حال، أن تنكر أشكال التضامن البسيطة والأساسية التي سمحت لتلك التنظيمات بالبقاء، وللفكر أن يتشكل على أرض بشر أحياء. لهذا فإن أخلاقا ملموسة هي التي ينبغي أن تحدد الجهد المبذول لأجل الكمال الشخصي، ليس فقط في مجال الوجود الفردي، ولكن أيضا، وأولا، في مجال التعايش وداخل المجموعة البشرية. وفي الحقيقة لا يتعلق الأمر هنا بنظامين مختلفين، فالعالم واحد، وكل نشاط بشري يندرج داخل هذا العالم الذي تساهم قيمه في النمو والارتقاء. يعتقد "الفرد" أنه إمبراطور داخل إمبراطورية، فيضع نفسه في مقابل العالم وفي تعارض مع الآخرين، بحيث يتصور نفسه كبداية مطلقة. وعلى العكس من ذلك يدرك الشخص الأخلاقي أنه لا يوجد إلا بالمشاركة. فيقبل الوجود النسبي، ويتخلى نهائيا عن الاستكفاء الوهمي. إنه ينفتح بذاته على الكون، ويستقبل الغير. لقد فهم الشخص الأخلاقي، أن الغنى الحقيقي لا يوجد في التحيز والتملك المنغلق، كما لو كان بإزاء كنز خفي، ولكن يوجد بالأحرى في وجود يكتمل ويتلقى بقدر ما يعطي ويمنح.جورج غوسدورف، مقالة في الوجود الأخلاقي، مكتبة أرموند كولان، باريس، 1949، ص : 201-202 Georges Gusdorf, Traité sur l’existence morale.
فهم النص : صـاحب النــص : جورج غوسدروف فيلسوف فرنسي ولد عام 1912 ومات سنة 2000، درس الفلسفة بجامعة ستراسبورغ، من مؤلفاته المعروفة "اكتشاف الذات"، "رسالة في الوجود الأخلاقي"، "مدخل إلى العلوم الإنسانية". 1 ــ مفاهيم النــــص : الاستكفاء : هو ادعاء الفرد إمكانية تلبية حاجاته بنفسه في استغناء تام عن الآخرين من الناس . الغير : الآخر من الناس . التضامن : التماسك الاجتماعي بين أفراد المجتمع عن طريق تبادل المنافع فيما بينهم .
3 ــ التركيب : يتوجه الكاتب بالنقد للنزعة الفردانية السائدة في أوربا ، إذ يعتبر أن ميل الفرد إلى الانعزال عن الآخرين ، و التميز الفردي عن بقية الناس لم يحدث في تاريخ تطور المجتمعات إلا في زمن متأخر و يقصد بذلك ظهور النزعة الرأسمالية ، حيث أن تاريخ تطور الإنسانية ينبئ أن الإنسان في البدء كان ميالا للعيش داخل الجماعة . و لولا حياته داخل الجماعة لما تمكنت المجتمعات البشرية من الصمود و البقاء ، و لما تطور الفكر البشري . انطلاقا من الاعتقاد أن حياة الفرد داخل الجماعة ضرورة لا مفر منها ، فإن الكاتب يرفض الحديث عن قيم أخلاقية مجردة بالمعنى الكانطي ، أخلاقا يطغى عليها الطابع الميتافيزيقي و يسميها "أخلاقا ملموسة" أي واقعية تتشكل من خلال التعامل بين الأفراد داخل المجتمع . و أن حياة الفرد داخل المجتمع لا تلغي خصوصيته و تميزه ، بل إن كل نشاط فردي يقع داخل العالم ، وكل قيمة من القيم الفردية تساهم في تطور المجتمع البشري . لتوضيح التقابل بين النزعة الفردانية و النزعة الأخلاقية الاجتماعية يقيم الكاتب مقارنة بينهما على النحو التالي : ــ الاعتقاد في النزعة الفردانية يدفع الفرد إلى الاعتقاد أنه " إمبراطور داخل إمبراطوريته" أي انه هو السيد و الآخرون من الناس لا قيمة لهم إلا بمقدار تبعيتهم له ، و أنه هو نقطة بداية العالم ( وفي هذا تذكير بالنزعة الذاتوية الديكارتية) . ــ أما الشخص الأخلاقي "الاجتماعي " يؤمن أن حياته رهينة بحياة الآخرين من الناس ، و أن التشارك بين الناس في إقامة الحياة الاجتماعية عقيدته ، و أن الاستغناء عنهم فكرة وهمية ، و أن حياته الذاتية تغتني بالانفتاح على الآخرين . إن المقارنة بين أطروحتي كانط و غوسدورف توضح مدى استغراق كانط في التفكير الميتافيزيقي إذ يجعل من الشخص غاية في ذاته ، فالشخص ـ حسبه ـ موضوع تقدير و احترام ليس لما يقدمه من أعمال بل فقط لأنه إنسان ، أما غوسدورف يجعل قيمة الشخص تتحدد بطبيعة العلاقات التي ينسجها مع الأفراد الآخرين داخل المجتمع الإنساني .
المحور الثالث : الشخص بين الضرورة و الحرية إشكالية المحور: إذا ما تم اعتبار أن قيمة الإنسان تتمثل في أعماله و سلوكياته الأخلاقية، فهل فعلا الإنسان يتمتع بالحرية الكاملة في أن يكون كما يريد أم أنه خاضع لحتميات/ ضرورات تشكل شخصه نفسيا و اجتماعيا ؟
الموقف الأول : الشخص نتيجة لماضيه الشخصي أو نتيجة للتنشئة الاجتماعية
الموقـف الثاني : الشخـص حـــــــر و مســـــــؤول
موقف سارتر يعرف الإنسان بمشروعه . هذا الكائن المادي يتجاوز دائما الوضعية التي يوجد فيها ويحددها بالتعالي عليها لكي يتموضع بواسطة الشغل و الفعل أو الحركة . و لا يجب الخلط بين المشروع و بين الإرادة التي هي كيان مجرد ، و إن كان المشروع قد يتخذ صورة إرادية في بعض الظروف . إن هذه العلاقة المباشرة مع الآخر المغاير للذات (...) وهذا الإنتاج الدائم للذات بواسطة الشغل و الممارسة هو بنيتنا الخاصة . و إذا لم يكن - المشروع – إرادة ، فهو ليس حاجة أو هوى كذلك . إلا أن حاجتنا مثل أهوائنا، و أكثر أفكارنا تجريدا ترجع إلى هذه البنية، فهي دائما خارجة عن ذاتها نحو (...) ذاك ما نسميه الوجود، و لا نعني بذلك جوهرا ثابتا مرتكزا على ذاته، بل نعني به عدم استقرار دائم و اقتلاعا لكامل الجسم خارج ذاته. و بما أن هذه الوثبة نحو التموضع تتخذ أشكالا متنوعة بحسب الأفراد ، وبما أنها تلقي بنا داخل مجال من الإمكانات نحقق البعض منها دون البعض الآخر فإننا نسميها كذلك اختيارا و حرية . غير انه يرتكب خطأ عظيم إذا ما وقع اتهامنا بإدخال اللامعقول أو أننا نختلق "بداية أولى" لا علاقة لها بالعالم أو أننا نمنح الإنسان حرية ــ صنمية . و في الواقع، لا يمكن أن يصدر هذا الاعتراض إلا عن فلسفة آلية. و من يوجه إلينا هذا الاعتراض ، إنما يريد إرجاع الممارسة و الخلق و الاختراع إلى إعادة إنتاج المعطيات الأولية لحياتنا ، إنه يريد تفسير الأثر و الفعل أو الموقف بعوامل إشراطها ، و إن رغبته في التفسير تخفي إرادة جعل المركب مماثلا للبسيط ، ونفي خصوصيات البنيات و إرجاع التغير إلى الهوية ، و هو ما يمثل من جديد سقوطا في الحتمية العلموية . و على العكس من ذلك يرفض المنهج الجدلي فكرة الاختزال ، و اعتماد طرح معاكس ، يقوم على التجاوز مع المحافظة ، بحيث إن أطراف التناقض – الذي وقع تجاوزه – غير قادرة على بيان التجاوز ذاته و لا على التأليف اللاحق ، إن هذا الأخير- على العكس من ذلك- هو الذي يضيء هذه الأطراف و يتيح فهمها . جون بول سارتر ، نقد العقل الجدلي غاليمار 1960 ص 95 J – p sartre critique de la raison dialectique
صاحب النــص : ولد جون بول سارتر بفرنسا سنة 1905 ، تتداخل في فلسفته ثلاثة تيارات هي الوجودية ،الفلسفة الفينومينولوجية والماركسية. اهتم بالميتافيزيقا، المعرفة، السياسة و الأخلاق... من بين أفكاره التي لاقت شهرة واسعة قوله "وجود الإنسان يسبق ماهيته " و "الجحيم هو الآخر " ..أعماله الأساسية: الوجود و العدم ، الوجودية إنسانية ، نقد العقل الجدلي ..إلى جانب أعماله الروائية والمسرحية..تأثر ب : ديكارت، روسو ، كانط ،هيجل ، ماركس ، هايدجر ..حصل على جائزة نوبل سنة 1964 . توفي بفرنسا سنة 1980 .
مفاهيم النـــص : الإنسان مشروع : إن كلمة مشروع مقتبسة من المجال الاقتصادي غير أن سارتر يعطيها المعنى الأصلي pro-jeter أي القذف إلى الأمام أو pro-jet أي الاندفاع نحو ..، وهكذا فعبارة الإنسان مشروع تعني عنده أن الإنسان رغبة مستمرة لا تعرف الإشباع . وبالتالي فالبراكسيس أو الممارسة هي التي تحدد هذا المشروع ،من هنا قوله " وجود الإنسان سابق لماهيته " أي أن الإنسان يوجد أولا وتتحدد ماهيته لاحقا . التموضــع : تحقق الذات في الواقع ، أن تصبح الرغبات والمشاعر والأفكار أمرا واقعا بواسطة الأفعال والممارسة . بنيتنا الخاصة : وجودنا كجسم ونفس في آن واحد . حرية – صنمية : تقديس الحرية بشكل مطلق . فلسفة آلية : الاعتقاد أن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج كيفما كانت الظواهر . حتمية علموية : الاعتقاد بأن نفس الظواهر تخضع لنفس الأسباب ، والمبالغة في هذا الاعتقاد لدرجة تعميمه على الظواهر الإنسانية . المنهج الجدلي : تطبيق قوانين الجدل : الأطروحة ، النقيض ، التركيب . هذه القوانين التي ترتد جميعها إلى مبدأ الاعتقاد في أن الصراع هو محرك التحول والصيرورة على العكس من المبادئ المنطق الأرسطي التي يطغى عليها طابع سكوني ( "أ" هي دائما "أ" ) .
التركيب : إن الأساس الذي تقوم عليه الفلسفة الوجودية عند سارتر هو " الوجود سابق للماهية " l’existence précède l’essence هذه العبارة التي تعني بصفة عامة أن الأشياء توجد أولا – وإذا ما كانت تمتلك القدرة على التفكير – كما هو حال الإنسان تخلق مفاهيم مثل " عالم" أشياء" "إنسان" "حيوان" "نبات" الخ .. فالكل يوجد قبل أن تكون له ماهية ، الإنسان وجد أولا قبل أن يعرف الإنسان . فالإنسان يصير إنسانا بالتدرج ولعل هذا ما يبرر قول سارتر " يعرف الإنسان بمشروعه" ، فالإنسان ليس كائنا ساكنا و إنما هو دائما في حالة تجاوز لذاته ، لما هو معطى له ، يسعى لتحقيق ما في ذهنه من أفكار و ما في نفسه من رغبات عن طريق الممارسة و العمل . إن هذا السعي المستمر نحو تحقيق الذات هو تعبير عن الرغبة التي لا تعرف إشباعا وليس عن الإرادة التي تخضع لقرار عقلي ، كما أن هذا" الاندفاع نحو" أو المشروع ليس حاجات و لا أهواء وإنما هو تعبير عن حالة وجودية ، إذن ليس هناك وجود كامل للإنسان وإنما هناك سعي دائم نحو الاكتمال .إن هذا السعي المستمر لتحقيق الذات يدعوه سارتر الاختيار أو الحرية ، فالإنسان حر حتى في أبسط اختياراته ،