290 likes | 678 Views
الإبتلاء. إعداد جنات عبد العزيز دنيا. لا يخفى على أحدٍ أنَّ الحياة الدنيا مليئة بالمصائب والبلاء، وأنَّ كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ عرضة لكثيرٍ منها: فمرة يُبتلى بنفسه، ومرة يبتلى بماله، ومرة يبتلى بحبيبه،وهكذا تُقلَّب عليه الأقدار من لدن حكيم عليم . ونجد أحيانا أن البلاء يشتد على أهل
E N D
الإبتلاء إعداد جنات عبد العزيز دنيا
لا يخفى على أحدٍ أنَّ الحياة الدنيا مليئة بالمصائب والبلاء، وأنَّ كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ عرضة لكثيرٍ منها: فمرة يُبتلى بنفسه، ومرة يبتلى بماله، ومرة يبتلى بحبيبه،وهكذا تُقلَّب عليه الأقدار من لدن حكيم عليم.ونجد أحيانا أن البلاء يشتد على أهل الإيمان أكثر مما يحصل لغيرهم، وإذا لم يحمل المؤمن النظرة الصحيحة للبلاء فسوف يكون زلـلُه أكبر من صوابه، ولا سيما أن بعض المصائب تطيش منها العقول لضخامتها وفُجاءَتها - عياذاً بالله.ولابد للمسلم أن يستشعر الحكمة من البلاء لأن الله سبحانه وتعالى لا يبتلينا ليعذبنا، بل ليرحمنا. وأن على المؤمن أن ينظر إلى البلاء- سواءً كان فقداناً للمال أو الصحة أو الأحبة - من خلال نصوص الكتاب والسنة على أنه :
قد يكون الإبتلاء إختبارا نعم امتحان وإختبار، فنحن في قاعة امتحان كبيرة نُمْتحن فيها كل يوم فما هذه الدنيا إلا دار بلاء واختبار والآخرة هي دار الجزاء ، وكلنا ممتحن في كل ما نملك وفي كل ما يعترينا في هذه الحياة حتى نلقى الله.وقال جل ذكره: {أَحَسِبَ الناسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا ءامَنا وَهُم لاَ يُفتَنُونَ * وَلَقَد فَتَنا الذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَن اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَن الكَـاذِبِينَ}. (العنكبوت: 2-3). وليس في هذه الدنيا من لا يمتحن.يقول تعالى{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِوَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِالصَّابِرِينَ }( البقرة 155). وَمَعْنَى قَوْله { وَلَنَبْلُوَنَّكُم } : ولنختبرنكم . وَهَذَا إخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَتْبَاع رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مُبْتَلِيهمْ وَمُمْتَحِنهمْ بِشَدَائِد مِنْ الْأُمُور لِيَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ .
ويقول تعالى :فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ .. (البقرة : 249 ). { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } يَقُول : إنَّ اللَّه مُخْتَبِركُمْ بِنَهَرٍ , لِيَعْلَم كَيْفَ طَاعَتكُمْ لَهُ . وقال تعالى :{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * (البقرة:49) .وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ بَلاء : نِعْمَة . قَالَ : نِعْمَة عَظِيمَة . وَأَصْل الْبَلاء فِي كَلَام الْعَرَب : الِاخْتِبَار وَالِامْتِحَان , ثُمَّ يُسْتَعْمَل فِي الْخَيْر وَالشَّر, لِأَنَّالِامْتِحَان وَالِاخْتِبَار قَدْ يَكُون بِالْخَيْرِ كَمَا يَكُون بِالشَّرِّ , كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ :{ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }: يَقُول : اخْتَبَرْنَاهُمْ ,
وَكَمَا قَالَ عز وجل : {.. وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فِتْنَة..} (الأنبياء 35) ثُمَّ تُسَمِّي الْعَرَب الْخَيْر بَلاء وَالشَّرّ بَلاء ,غَيْر أَنَّ الْأَكْثَر فِي الشَّرّ أَنْ يُقَال: بَلَوْته أَبْلُوهُ بَلاء ,وَفِي الْخَيْر:أَبْلَيْته أَبْلِيهِ إبْلاء وَبَلاء . {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فأتمهن.. } (البقرة:124).{ وَإِذْ ابْتَلَى } وَإِذَا اخْتَبَرَ , يُقَال مِنْهُ : ابْتَلَيْت فُلَانًا أَبْتَلِيه ابْتِلَاء .وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّوَجَلّ { وَابْتُلُوا الْيَتَامَى } يَعْنِي بِهِ :اخْتَبِرُوهُمْ . وَكَانَ اخْتِبَار اللَّه تَعَالَى ذِكْره إبْرَاهِيم اخْتِبَارًا بِفَرَائِض فَرَضَهَا عَلَيْهِ , وَأَمْر أَمَرَهُ بِهِ , وَذَلِكَ هُوَ الْكَلِمَات الَّتِي أَوْحَاهُنَّ إلَيْهِ وَكَلَّفَهُ الْعَمَل بِهِنَّ امْتِحَانًا مِنْهُ لَهُوَاخْتِبَارًا . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الْكَلِمَات الَّتِي ابْتَلَى اللَّهُ بِهَا إبْرَاهِيمَ نَبِيَّهُ وَخَلِيلَهُ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ.
فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ شَرَائِع الإسْلام , وَهِيَ ثَلاثُونَ سَهْمًا . قَالَ ابْن عَبَّاس : لَمْ يُبْتَلَ أَحَد بِهَذَا الدِّين فَأَقَامَهُ إلا إبْرَاهِيمُ , ابْتَلاهُ اللَّهبِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهنَّ ; قَالَ : فَكَتَبَ اللَّه لَهُ الْبَرَاءَة , فَقَالَ : { وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى }. الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَتَمّهنَّ } فَأَتَمَّ إبْرَاهِيم الْكَلِمَات , وَإِتْمَامه إيَّاهُنَّ إكْمَاله إيَّاهُنَّ بِالْقِيَامِ لِلَّهِ بِمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِيهِنَّ وَهُوَ الْوَفَاء الَّذِي قَالَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى } يَعْنِي وَفَّى بِمَا عُهِدَ إلَيْهِ بِالْكَلِمَاتِ , فَأَمَرَهُ بِهِ مِنْ فَرَائِضه وَمِحَنه فِيهَا .{.. ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }(آل عمران: 152) . { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } لِيَخْتَبِرَكُمْ وَيَمْتَحِنكُمْ .
هذا البلاء قسمة وقدر إنَّ الله تعالى قسم بين الناس معايشهم وآجالهم، قال تعالى: {نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم معِيشَتَهُم في الحَياةِ الدنيَا} [الزخرف: 32 ]. فالرزق مقسوم، والمرض مقسوم، والعافية مقسومة، وكل شيء في هذه الحياة مقسوم. فارضَ بما قسم الله لك يا عبد الله، ولا تجزع للمرض ، ولا تكره القدر، ولا تسب الدهر، فإن الدقائق والثوانـي والأنفاس كلها بيد الله تعالى يقلبها كيف يشاء.وما دام الأمر كذلك فسلِّم أمرك لله أيها المبتلى، واعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن من يريد أن تكون الحياة على حال واحدة، فكأنما يريد أن يكون قضاء الله تعالى وفق هواه وما يشتهيه. وهيهات هيهات.
هذا البلاء خير ونعمة بشرط وأياً كانت هذه القسمة وهذا الامتحان فهو خير للمؤمن وليس لأحد غيره، ولكن بشرط الشكر على النعماء، والصبر على البلاء. وفي الحديث الصحيح: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له) [ رواه مسلم ]. وما أصدق الشاعر إذ يقول: قد يُنعم الله بالبلوى وإن عظمت / ويبتلي الله بعض القوم بالنعم. وأجمل من ذلك قول الحق سبحانه وتعالى: { فَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئاً وَيَجعَلَ اللهُ فِيهِ خَيراً كَثِيراً} [النساء:1] وقوله:{ وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لكُم وَعَسَى أَن تُحِبوا شَيئًا وَهُوَ شَر لكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ}.
قد يكون الإبتلاء محطة لتكفير الذنوب أن هذا البلاء محطة تمحيص وتكفير:نعم،الابتلاء محطة نتوقف فيها برهة من الزمن فإذا بأدران الذنوب والمعاصي تتحاتّ منا كما يتحات ورق الشجر؛ إذ المؤمن يُثاب على كل ضربة عرق، وصداع رأس، ووجع ضرس، وعلى الهم والغم والأذى، وعلى النَصَب والوَصَب يصيبه، بل وحتى الشوكة يشاكها.وفي الحديث: "ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ - وهما المرض والتعب - ولا همٍ ولا حزنٍ ولا غمٍ ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه" [متفق عليه]. فقد تكون العقوبةمعجلة بسبب المعاصي وعدم المبادرة للتوبة كما قال سبحانه : {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَاكَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوعَنْ كَثِيرٍ} (سورة الشورى الآية 30)
فيكون لتكفيرالسيئاتكما في قوله تعالى: {... مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}(سورة النساء/123)وقوله صلى اللهعليه وسلم : (من يرد الله به خيرا يصب منه)و(إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة).خرجه الترمذي وحسنه .
الإنسان قد يبتلى بالسراء استدراجا وقد يبتلى الإنسان بالسراء كالمال العظيم والنساء والأولاد وغير ذلك فلا ينبغي أن يظن أنه بذلك يكون محبوبا عند الله إذا لم يكن مستقيما على طاعته، فقد يكون من حصل له ذلك محبوبا، وقد يكون مبغوضا، والأحوال تختلف والمحبة عند الله ليست بالجاه والأولاد والمال والمناصب وإنما تكون المحبة عند الله بالعمل الصالح والتقوى لله والإنابة إليه والقيام بحقه وكل من كان أكمل تقوى كان أحب إلى الله. وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، وإنما يعطي الإيمان والدين من أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه،)فمن ابتلى بالكفر والمعاصي فهذا دليل على أنه مبغوض عند الله على حسب حاله.
ثم أيضا قد يكون الابتلاء استدراجا فقد يبتلى بالنعم يستدرج بها حتى يقع في الشر وفيما هو أسوأ من حاله الأولى قال تعالى:{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}(سورة القلم الآيتان 44 –45)روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال(إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب على معصيته فاعلم أنما هو استدراجثم قرأ قولهتعالى:{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}(سورة الأنعام الآية 44 ) أي آيسون من كل خير والعياذ بالله. ويقول جل وعلا:{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ}(سورة المؤمنون الآيتان 55 – 56)
الإنسان قد يبتلى بالأسقام والشدة لرفع الدرجات وقد يبتلى الناس بالأسقام والأمراض ونحو ذلك لا عن بغض ولكن لحكمة بالغة منها رفع الدرجات وحط الخطايا. وبعض الناس يظن أن هذا الذي يصاب بالأمراض ونحوها مغضوب عليه وليس الأمر كذلك فإنه قد يبتلى بالمرض والمصائب من هو من أعز الناس عند الله وأحبهم إليه كالأنبياء والرسل وغيرهم من الصالحين كما في قوله صلى الله عليه وسلم فعن مصعب بن سعد عنأبيه سعد بن أبي وقاص قال (( قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى العبد على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كانفي دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة)) صححه الألبانى.
وكما حصل لنبينا صلى الله عليه وسلم في مكة وفي يوم أحد وغزوة الأحزاب وعند موته صلى الله عليه وسلم وكما حصل لنبي الله أيوب عليهالسلام، ولنبي الله يونس عليه السلام، وذلك ليرفع شأنهم ويعظم أجورهم وليكونوا أسوة صالحة للمبتلين بعدهم. عن أنس بن مالك عن رسول الله صلىالله عليه وسلم أنهقال(عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ) (حسن) صحيح سنن ابن ماجة باختصار السند (الألبانى). وعن عبد الله بن مسعود قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه، وهو يوعك وعكا شديدا ، فقلت (إن ذاك بأن لك أجرين ، قالأجل ( ذلك كذلك ) ، ما من مسلم يصيبه أذى ( شوكة فما فوقها ) إلا حات الله عنه خطاياه كما تحات ورق الشجر ) أخرجهالبخاري ومسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)صححه الألبانى . وعن أبي هريرة قال : دخلت على أم عبد الله بنت أبي ذباب عائدا لها منشكوى فقالت : يا أبا هريرة ! إني دخلت على أمسلمة أعودها من شكوى ، فنظرت إلى قرحة في يدي فقالت :(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ...) فذكره . (سلسلة الأحاديث الصحيحة للألبانى) وقد جاء في الحديث أن الله عز وجل يقول لملائكته إذا قبضوا روح ولد عبده: (قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول: ابنوا لعبدي بيتـاً في الجنة وسمُّوه بيت الحمد) رواه أحمد وحسنه الألباني. ويقول سبحانه في الحديث القدسي: (ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صَفِيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة) رواه البخاري.
إن هذا البلاء علامة حب ورأفة إن المصائب والبلاء امتحانٌ للعبد، وهي علامة حب من الله له؛ إذ هي كالدواء، فإنَّه وإن كان مراً إلا أنَّـك تقدمه على مرارته لمن تحب - ولله المثل الأعلى - ففي الحديث الصحيح: (إنَّ عِظم الجزاء من عظم البلاء، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) يقول ابن القيم: "إنَّ ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواءالتي لو بقيت فيه لأهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته، فيستخرجالابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعد به إلى تمام الأجروعلو المنزلة …" إلى آخر ما قال.
أسباب رفع البلاء أو تخفيفه قد يستطيع المؤمن أن يفعل بعض الأسباب التي – بمشيئته - يرفع الله بها بلاءً كتبه عليه أو يخففه عنه بهذه الأسباب.. ومن هذه الأسباب وأهمها: 1 – التقوى:ومعنى التقوى كما هو معروف: هو فعل أوامر الله واجتناب معاصيه الظاهرة والباطنة ومراقبة الله في السر والعلن في كل عمل. قال سبحانه وتعالى: {ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً...} [الطلاق: 2]. جاء في تفسير ابن كثير: قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: أي ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة.
ويأتي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عباس ليوضح نتيجة هذه التقوى أو أثرها في حياة المؤمن حين قال له: (يا غلام، إني معلّمك كلمات: أحفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء،يعرفك في الشدة)ومعنى أحفظ الله: أي أحفظ أوامر الله ونواهيه في نفسك.ومعنىيحفظك: أي يتولاك ويرعاك ويسددك ويكون لك نصيراً في الدنيا والآخرة.قال - سبحانه :(أَلا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ).. [يونس: 62.] 2- أعمال البر ومنها الصدقة: وأعمال البر كالإحسان إلى الخلق بجميع صوره ومن ذلك الصدقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار ) حديث صحيح ، أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة وابنحبان والحاكم.
وقد جاء في الحديث من صحيح الجامع الصغير: (صدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، وفعل المعروف يقي مصارع السوء). 3- الدعاء: ونستدل هنا على ذلك بقصة الثلاثة الذين انسدَّ عليهم الغار بصخرة سقطت من الجبل، فقالوا: (لن ينجيكم من هذه الصخرةإلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم) فكلٌّ دعا بصالح عمله فانفرجت الصخرة وخرجوا جميعاً، وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم.وجاءفي الدعاء من صحيح الجامع الصغير: (لا يرد القضاء إلا الدعاء،ولا يزيد في العمر إلا البر). ومن أمثلة أثر الدعاء في رفع البلاء قبل وقوعه: قصة قوم يونس. قال { فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إيمَانُهَا إلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ومَتَّعْنَاهُمْ إلَى حِينٍ} [يونس: 98].
وذكر ابنكثير في تفسير الآية السابقة: أنه عندما عاين قوم يونس أسبابالعذابالذي أنذرهمبه يونس خرجوا يجأرون إلى الله ويستغيثونه،ويتضرعون إليه وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم وسألوا اللهأن يرفع عنهم العذاب ؛ فرحمهم الله وكشف عنهم العذاب . وتحدث ابن قيم الجوزية في كتابه (الجواب الكافي) عن الدعاء قائلاً: والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدوالبلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله،ويرفعه أو يخففه إذا نزل،وهو سلاح المؤمن، وله مع البلاء ثلاث مقامات: أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه. الثاني: أن يكون أضعف من البلاء، فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد،ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفاً. الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منها صاحبه .
وقال أيضاً:(ولما كان الصحابة - رضي الله عنهم - أعلم الأمة بالله ورسوله، وأفقههم في دينهم، كانوا أقوم بهذا السبب وشروطه وآدابه من غيرهم. وكان عمر - رضي الله عنه - يستنصر به على عدوه وكان يقول للصحابة: لست منتصرون بكثرة، وإنما تُنصرون من السماء ( 4 - الإكثار من الاستغفار والذكر: قال تعالى:{ومَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ... }[الأنفال: 33]. وقد كشف الله الغمة عن يونس – عليه السلام – وهوفي بطن الحوت لكثرة تسبيحه واستغفاره، قال – سبحانه - في سورة الصافات: {فَالْتَقَمَهُ الحُوتُ وهُوَ مُلِيمٌ *فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:142 144] وكان من استغفاره - عليه السلام - وهو في بطن الحوت قوله: {لاَّ إلَهَ إلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}... [الأنبياء: 87]
وقال- صلى الله عليه وسلم - عن هذا الدعاء: (دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له ).
قالوا فى البلاء قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أصبتُ بمصيبةٍ إلاَّ ونظرتُ أنَّ الله تعالى أنعم عليَّ فيها بثلاث نِعَم :الأولى: أن الله تعالى هوَّنها عليَّ ولم يصبني بأعظم منها وهو قادر على ذلك. والثانية.. أنَّ الله تعالى جعلها في دنياي ولم يجعلها في ديني وهو قادرٌ على ذلك .والثالثة: أنَّ الله تعالى يُثيبني عليها يوم القيامة . وقال سفيان الثوري: لم يفقه عندنا من لم يَعُدّ البلاء نعمة والرخاء مصيبة . وقال وهب بن منبه: إذا سُلِك بك طريقُ البلاء سُلِك بك طريقالأنبياء . وقال ابن رجب في فوائد البــلاء :- هو تذكير العبد بذنوبــه فربما تاب ورجـــع. - وهو زوال قســــوة القلــوب وحدوث رقتهــا .
- وهو انكسـاره لله وذلهِ وذلك أحب إلى الله من كثير من طاعات الطائعين . - وهو يوجب للعبد الرجوع بقلبه إلى الله والوقوف ببابـه والتضـرع لهوالاستكانــة . - أن البلاء يقطع قلب المؤمن عن الالتفات إلى المخلوق . - أن البلاء يوصل إلى قلبه لذة الصبر عليه أو الرضا به . وقال مطرف: ما نزل بي مكروهٌ قط فاستعظمتُه إلاَّ ذكرتُ ذنوبي فاستصغرتُه. وقال ابن القيم فى كتاب زاد الميعاد في هدي خير العباد : ومن علاج المصيبة أن يعلم أن حظه منها ما تحدثه له : فإن أحدثت له : جزعآ وتفريطآ في ترك واجب , أو فعل محرم كتب في ديوان المفرطين , وإن أحدثت له : شكاية وعدم صبر كتبفيديوان المغبونين ,
وإن أحدثت له صبرآ وثباتآ للهكتب في ديوان الصابرين ،وإن أحدثت له الرضا عن الله كتب في ديوان الراضين , وإن أحدثت له الحمد والشكر كتب في ديوان الشاكرين , وكان تحت لواء الحمد مع الحمَادين ). ويقول ابن القيم أيضا فى زاد الميعاد :والمقصود أن الله سبحانه اقتضت حكمته أنه لا بد أن يمتحن النفوس ويبتليها فيظهر بالامتحان طيبها من خبيثها ومن يصلح لموالاته وكراماته ومن لا يصلح وليمحص النفوس التي تصلح له ويخلصها بكير الامتحان كالذهب الذي لا يخلص ولا يصفو من غشه إلا بالامتحان إذ النفس في الأصل جاهلة ظالمة وقد حصل لها بالجهل والظلم من الخبث ما يحتاج خروجه إلى السبك والتصفية فإن خرج في هذه الدار وإلا ففي كير جهنم فإذا هذب العبد ونقي أذن له في دخول الجنة .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية :فإذا أنعم الله على إنسان بالصبر والشكركان جميع ما يقضي له من القضاء خيرًا له، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقضى الله لمؤمن من قضاء إلا كان خيرا له إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له ، وإن اصابته ضراء فصبر كان خيرا له)) ومن لم ينعم الله عليه بالصبر والشكر فهو بشرّ حال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من رأى مبتلىفقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا ؛ لم يصبه ذلك البلاء)). ( صحيح)(سلسلة الأحاديث الصحيحة للألبانى).
المراجع • http://www.binbaz.org.sa/index.php?pg=mat&type=fatawa&id=176 2 -http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_6987.shtml 3 -كتب تخريج الحديث النبوي الشريفللشيخ ناصر الدين الألباني الموقع التالى : http://arabic.islamicweb.com/books/albani.asp 4 - من أقوال الشيخ عبد العزيز بن باز فى فضل الصبر على البلاء gannatdonya@gmail.com